للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي قولِه: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾. دليلٌ واضحٌ لَمَن وُفِّق لفهمِه، أن الحكمَ الذي ذكرَه اللهُ في المحاربين [يجرى في] (١) المسلمين والمُعاهِدين، دونَ المشركين الذين قد نَصَبوا للمسلمين حربًا؛ وذلك أن ذلك لو كان حكمًا في أهلِ الحربِ من المشركين دونَ المسلمين، ودونَ ذِمَّتِهم، لَوَجَب أَلا يُسقِطَ إسلامُهم عنهم - إذا أسلموا أو تابوا بعد قُدْرتِنا عليهم - ما كان لهم قبلَ إسلامِهم وتوبتِهم من القتلِ، وما للمسلمين في أهلِ الحربِ من المشركين. وفي إجماع المسلمين أن إسلام المشركِ الحَرْبيِّ يضعُ عنه بعدَ قُدرةِ المسلمين عليه، ما كان واضِعَه عنه إسلامُه قبلَ القدرةِ عليه، ما يَدُلُّ على أن الصحيحَ مِن القولِ في ذلك قولُ مَن قال: عَنَى بآية المحاربين في هذا الموضعِ حُرَّابَ أهلِ المِلَّةِ أو الذِّمَّةِ دونَ مَن سواهم مِن مشركي أهلِ الحربِ.

وأمَّا قولُه: ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. فإن معناه: فاعلَموا أيُّها المؤمنون أن اللَّهَ غيرُ مُؤَاخِدٍ مَن تاب مِن أهل الحربِ للهِ ولرسولِه، السّاعين في الأرض فسادًا، وغيرِهم بذنوبِه، ولكنَّه يعفُو عنه فيَسْتُرُها عليه، ولا يَفْضَحُه بها بالعقوبةِ في الدنيا والآخرةِ، رحيمٌ به في عفوِه عنه، وتَرْكِه عقوبتَه عليه.

القولُ في تأويلِ قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾.

يَعْنِى جلَّ ثناؤُه بذلك: يا أَيُّها الذين صَدَّقوا الله ورسولَه فيما أخبَرَهم ووعدَ (٢)


(١) في ص، ت ٢: "مجر مجاري".
(٢) في م، ت ٢: "وعدهم".