للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: انْظُروا هل أصاب شيئًا قبل خروجِه؟

وقال آخرون: تضَعُ توبتُه عنه حدَّ اللَّهِ الذي وجَب عليه بمُحارَبَتِه، ولا تُسقِطُ عنه حقوقَ بني آدمَ.

وممن قال ذلك الشافعيُّ. حدَّثنا بذلك عنه الرَّبيعُ (١).

وأوْلَى هذه الأقوالِ في ذلك بالصوابِ عندى قولُ مَن قال: توبةُ المحاربِ المُمْتَنِعِ بنفسِه، أو بجماعةٍ معه قبلَ القدرةِ عليه، تضعُ عنه تَبِعاتِ الدنيا التي كانت لَزِمَتْه في أيام حربِه وحرابتِه؛ من حدودِ اللهِ، وغُرمٍ لازمٍ، وقَوَدٍ، وقصاصٍ، إلا ما كان قائمًا في يدِه مِن أموالِ المسلمين والمُعاهدين بعَيْنِه، فيُرَدُّ على أهله؛ لإجماعِ الجميع على أن ذلك حكمُ الجماعةِ الممتنعة المحاربةِ لله ولرسوله، الساعية في الأرضِ فسادًا، على وجهِ الرِّدَّةِ عن الإسلام. فكذلك حكمُ كلِّ ممتنعٍ سعَى في الأرضِ فسادًا، جماعةً كانوا أو واحدًا. فأمَّا المُسْتَخْفِى بسرقتِه والمتلصِّصُ على وجهِ اغْتِفالِ (٢) مَن سرَقه، والشاهرُ السلاحَ في خَلاءٍ على بعضِ السابِلَةِ، وهو عندَ الطلبِ غيرُ قادرٍ على الامتناعِ، فإن حكمَ اللهِ عليه - تاب أو لم يَتُبْ - ماضٍ، وبحقوقِ مَن أخَذ مالَه أو أصاب وليَّه بدمٍ أو خَتْلٍ، مَأْخُوذٌ، وتوبتُه فيما بينَه وبينَ اللَّهِ، قياسًا على إجماعِ الجميعِ على أنه لو أصاب شيئًا من ذلك وهو للمسلمين سِلْمٌ، ثم صار لهم حَرْبًا، أن حربَه إياهم لن يضعَ عنه حقًّا للهِ عزَّ ذكرُه، ولا لآدميٍّ، فكذلك (٣) حكمُه إذا أصاب ذلك في خَلاءٍ أو باسْتِخْفاءٍ، وهو غيرُ ممتنِعٍ من السلطان بنفسِه إن أراده، ولا له فئةٌ يلجأُ إليها مانعةٌ منه.


(١) الأم ٦/ ١٥٤.
(٢) في م: "إغفال"، وفي س: "اغتيال". وتَغَفَّلْتُه واسْتَغْفَلْتُه: تَحَيَّنْتُ غَفْلَتَه. ومعنى الاغتفال هنا في سياقه بنفس المعني. ينظر اللسان (غ ف ل).
(٣) بعده في ص، ت ١: "ذلك".