حدَّثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، [عن أبي سيدانَ](١)، قال: سمعت الضحاك يَقُولُ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ الآية. قال: نزلت في أهلِ الكتاب حينَ خالَفوا النبيَّ ﷺ.
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك ما قال مجاهدٌ مِن أنه عنَى بقوله: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ﴾: مشركي قريشٍ. وإنما قُلنا ذلك أولى بالصواب؛ لأن المسلمين لم يَجرِ لأمانيِّهم ذكرٌ فيما مضى من الآي قبل قوله: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ﴾. وإنما جرى ذكرُ أمانيِّ نصيب الشيطان المفروض، وذلك في قوله: ﴿وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ﴾. وقوله: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ﴾. فإلحاقُ معنى قوله جل ثناؤه: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ﴾. بما قد جرى ذكره قبلُ أحقُّ وأولى من ادِّعاء تأويلٍ فيه لا دلالة عليه من ظاهر التنزيل، ولا أثر عن الرسول ﷺ، ولا إجماع من أهل التأويل.
وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية إذن: ليس الأمرُ بأمانيِّكم يا معشر أولياء الشيطانِ وحزبه التي يُمنيِّكمُوها وليُّكم عدوُّ اللهِ مِن إنقاذكم ممن أرادَكم بسوءٍ، ونُصْرتكم عليه، وإظفارِكم به، ولا أمانيِّ أهل الكتاب الذين قالوا اغترارًا بالله وبحلمِه عنهم: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾ [البقرة: ٨٠]، و ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ [البقرة: ١١١]، فإن الله مجازٍ كلَّ عاملٍ منكم جزاء عمله، مَن يَعْمَلْ منكم سوءًا، أو من غيركم يُجْزَ به، ولا يَجِد له
(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "ثنا أبي سفيان". وفى م: "عن أبي أسيد". وينظر تهذيب الكمال ١٣/ ٢٩٢، ١٩/ ٢١٦.