للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكرُه أتْبَع ذلك قولَه: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (٤٥)﴾. فأن يكونَ ذلك خبرًا عنهم أولى، إذ كان بخبرِهم متصلًا، من أن يكونَ خبرًا عمن لم يَجرِ له ذكرٌ.

وأما النفورُ، فإنها جمعُ نافرٍ، كما القُعودُ جمعُ قاعدٍ، والجُلُوسُ جمعُ جالسٍ، وجائزٌ أن يكونَ مصدرًا أُخرِج من غيرِ لفظِه؛ إذ كان قولُه: ﴿وَلَّوْا﴾. بمعنى: نفَروا، فيكونَ معنى الكلامِ: نفَروا نُفورًا، كما قال امرؤُ القيسِ (١):

* وَرُضْتُ فَذَلَّتْ صَعْبَةً أَيَّ إِذْلالِ *

إذ كان "رُضْتُ" بمعنى: أذللْتُ، فَأُخْرِج الإذلالُ من معناه، لا من لفظِه.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٤٧)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: نحن أعلمُ يا محمدُ بما يستمِعُ به هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرةِ من مشركي قومِك، إذ يستمعون إليك وأنتَ تقرَأُ كتابَ اللَّهِ، ﴿وَإِذْ هُمْ نَجْوَى﴾.

وكان بعضُ أهلِ العربيةِ من أهلِ البصرةِ يقولُ: النجوَى فِعْلُهم، فجعَلهم هم النجوى، كما يقولُ: هم قومٌ رضًا، وإنما رضًا فِعْلُهم.

وقولُه: ﴿إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾. يقولُ: حينَ يقولُ المشركون باللَّهِ: ما تَتَّبِعون إلا رجلًا مسحورًا.

وعُنِى، فيما ذكَر، بالنجوى الذين تَشاوَروا في أمرِ رسولِ اللَّهِ في دارِ النَّدوةِ


(١) ديوانه ص ٣٢، وهو عجز بيت صدره: وصِرْنا إلى الحسنى ورقَّ كلامُنا.