للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على منعٍ. ويُوجِّهه إلى أنه من قولِهم: حاردَتِ السنةُ. إذا لم يَكُنْ فيها مطرٌ، و: حاردَت الناقةُ. إذا لم يَكُنْ لها لبنٌ، كما قال الشاعرُ (١):

فإذا ما حارَدَتْ أو بَكَأَتْ … فُتَّ عن حاجِبِ أُخرَى طِينُها

وهذا قولٌ لا نَعْلَمُ له قائلًا من مُتَقَدِّمى العلمِ قاله وإن كان له وجهٌ، فإذا كان ذلك كذلك وكان غيرُ جائزٍ عندَنا أن يتعدَّى ما أجمَعت عليه الحجةُ، فما صحَّ من الأقوالِ فى ذلك إلا أحدُ الأقوالِ التي ذكَرناها عن أهلِ العلمِ. وإذا كان ذلك كذلك وكان المعروفُ من معنى "الحرْدِ" في كلامِ العربِ القصدُ، من قولِهم: قد حرَد فلانٌ حرْدَ فلانٍ، إذا قصَد قصْدَه. ومنه قولُ الراجزِ (٢):

وجاء سَيْلٌ كان من أمرِ اللهْ

يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنَّةِ المُغِلَّهْ

يَعنى: يَقْصِدُ قصْدَها - صحَّ أن الذى هو أولى بتأويلِ الآيةِ قولُ مَن قال: معنى قولِه: ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾: وغدَوا على أمرٍ قد قصَدوه واعتمَدوه، واستسرُّوه بينَهم، قادِرين عليه في أنفسهم.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (٢٨)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: فلما صار هؤلاء القومُ إلى جنتِهم، ورأَوها محترقًا حرثُها، أنكَروها وشكُّوا فيها، هل هى جنتُهم أم لا، فقال بعضُهم لأصحابِه ظنًّا منه أنهم قد


(١) البيت لعدى بن زيد، وهو في اللسان (ح ر د).
(٢) الرجز بدون عزو فى مجاز القرآن ٢/ ٢٦٦، والكامل ١/ ٥٣، ٢/ ٨٦، وإصلاح المنطق ٤٧، ٢٦٦، واللسان (ح ر د)، والخزانة ١٠/ ٣٥٦.