للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما حدَّثنا محمدُ بنُ حميدٍ، قال: حدثنا سَلَمةُ بنُ الفضلِ، عن محمدِ بنِ إسحاقَ، عن محمدِ بنِ أبي محمدٍ مَوْلَى زيدِ بنِ ثابتٍ، عن عكرمةَ، أو عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾: أيْ أنهم قد كفَروا بما عندَهم (١) مِن ذِكْرٍ، وجحَدوا ما أُخِذ عليهم مِن الميثاقِ لك، فقد كفَروا بما جاءك، وبما عندَهم مما جاءهم به غيرُك، فكيف يَسْمَعون منك إنذارًا وتحذيرًا وقد كفَروا بما عندَهم مِن علمِك (٢)؟

القولُ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾.

قال أبو جعفرٍ: وأصلُ الخَتْمِ الطَّبْعُ. والخاتَمُ هو الطَّابَعُ. يقالُ منه: خَتَمْتُ الكتابَ. إذا طَبَعْتَه.

فإن قال لنا قائلٌ: وكيف يَخْتِمُ على القلوبِ، وإنما الختمُ طبعٌ على الأوعيةِ والظروفِ والغُلُفِ (٣)؟

قيل: فإن قلوبَ العبادِ أوعيةٌ لما أُودِعت مِن العلومِ، وظروفٌ لما جُعِل فيها مِن المعارفِ بالأمورِ (٤). فمعنى الختمِ عليها وعلى الأسماعِ التي بها تُدْرَكُ المسموعاتُ، ومِن قِبَلِها يُوصَلُ إلى معرفةِ حقائقِ الأنباءِ عن المغيَّباتِ - نظيرُ معنى الختمِ على سائرِ الأوعيةِ والظروفِ.

فإن قال: فهل لذلك مِن صفةٍ تصِفُها لنا فنفْهَمَها أهي مثلُ الختمِ الذي يُعْرَفُ (٥)


(١) بعده في م: "من العلم".
(٢) تقدم أول هذا الأثر في ص ٢٥٨.
(٣) الغلف جمع الغلاف: وهو الصوان وما اشتمل على الشيء. اللسان (غ ل ف).
(٤) في ص: "بالعلوم".
(٥) في ر: "نعرف".