للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاجْعَلْ تَحَلَّلْ مِن يمينِك إنما … حِنْثُ اليَمين على الأثِيمِ (١) الفاجِرِ

يقولُ: فاجْعَل تَحَلَّلْ. بمعنى: تحلَّل شيئًا بعد شيءٍ. لا أن هناك جَعْلًا مِن غيرِ التَّحْليلِ، فكذلك كلُّ جَعْل في الكلام، إنما هو دليل على فعلٍ له اتصالٌ، لا أن له حظًّا في معنى الفعْلِ.

فقولُه: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾. إنما هو: أظْلَم ليلَهما وأنار نهارَهما.

القولُ في تأويل قوله: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه مُعَجِّبًا خلقه المؤمنين مِن كفَرةِ عبادِه، ومُحْتَجًّا على الكافرين: إن الإله الذي يَجِبُ عليكم أيُّها الناسُ حمدُه، هو الذي خلَق السماواتِ والأرضَ، الذي جعَل منهما مَعايشَكم وأقْواتَكم وأقواتَ أنعامِكم التي بها حياتُكم، فمِن السماواتِ يَنزِلُ عليكم الغيثُ، وفيها تَجْرِى الشمسُ والقمرُ باعتقابٍ واختلافٍ لمَصالِحكم، ومن الأرضِ يَنْبُتُ الحبُّ الذي به غذاؤُكم، والثمارُ التي فيها ملاذُّكم، مع غيرِ ذلك من الأمور التي فيها مَصالحُكم ومَنافعُكم بها، والذين يَجْحَدون نعمة الله عليهم، بما أَنْعَم به عليهم من خلقِ ذلك لهم ولكم أيُّها الناسُ ﴿بِرَبِّهِمْ﴾ الذي فعَل ذلك وأحْدَثه ﴿يَعْدِلُونَ﴾: يَجْعَلون له شريكًا في عبادتِهم إياه، فيَعْبُدون معه الآلهة والأندادَ والأصنامَ والأوثانَ، وليس منها شيءٌ شركه في خلقِ شيءٍ من ذلك، ولا في إنعامِه عليهم بما أنْعَم به عليهم، بل هو المنفردُ بذلك كلِّه، وهم يُشْرِكون في


(١) في م: "اللئيم".