للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد بَيَّنَّا فيما مضى معنى "الضلال" بما فيه الكفايةُ (١).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٩١)﴾.

يعنى بذلك جلّ ثناؤه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: جحَدوا نُبوَّةَ محمدٍ ولم يُصَدِّقوا به وبما جاء به من عندِ اللهِ مِن أَهلِ كلَّ مِلَّةٍ؛ يهودِها ونَصاراها ومجوسِها وغيرِهم، ﴿وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴾. يعنى: وماتوا على ذلك من جُحودِ نُبوَّتِه وجُحودِ ما جاء به، ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ﴾. يقولُ: فلن يُقْبَلَ ممن كان بهذه الصفةِ في الآخرةِ جَزاءٌ ولا رِشُوةٌ على تَرْكِ عُقوبتِه على كُفْرِه، ولا جُعْلٌ على العَفْوِ عنه، ولو كان له من الذهبِ قَدْرُ ما يَملأُ الأَرضَ من مَشْرِقِها إلى مَغْرِبِها، فَرَسًا وَجَزَى (٢) على تركِ عقوبتِه، وفى العفوِ عنه على كفرِه، عِوَضًا مما اللهُ مُحِلٌّ به من عذابِه (٣)؛ لأن الرِّشا إنما يَقْبَلُها مَن كان ذا حاجةٍ إلى ما رُشِى (٤)، فأمَّا مَن له الدنيا والآخرةُ، فكيف يَقْبَلُ الفِدْيَةَ وهو خَلَّاقُ كُلِّ فِدْيَةٍ افتدَى بها مُفْتَدٍ من (٥) نفسِه أو غيرِه؟

وقد بَيَّنا أن معنى "الفِدْيَةِ": العِوَضُ والجزاءُ من المُفْتَدِى منه، بما أغنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ (٦).

ثم أخبر ﷿ عمالهم عندَه، فقال: ﴿وَأُولَئِكَ﴾. يعنى: هؤلاء الذين


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ١٩٧ - ١٩٩.
(٢) في ص، ت ١: "جزاء".
(٣) في ص، ت ١، ت ٢: "عباده"، وفى س: "عقابه".
(٤) في ت ١، س: "رشا".
(٥) في م: "عن".
(٦) ينظر ما تقدم في ٣/ ١٨٠.