للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: أنكَرنا ذلك لأن التوبةَ من العبدِ غيرُ كائنةٍ إلا في حالِ حياتِه، فأما بعدَ مماتِه فلا توبةَ، وقد وَعَد اللهُ ﷿ عبادَه قَبولَ التوبةِ منهم ما دامتْ أرواحُهم في أجسادِهم، ولا خلافَ بينَ جميعِ الحُجَّةِ في أن كافرًا لو أسلَم قبلَ خُروجِ نفسِه بطَرْفةِ عينٍ، أن حُكْمه حكمُ المسلمين في الصلاةِ عليه والمُوَارَثة، وسائرِ الأحكامِ غيرهما (١). فكان معلومًا بذلك أن توبتَه في تلك الحالِ لو كانت غيرَ مَقْبولةٍ، لم يَنتقِلْ حُكْمُه من حكمِ الكفارِ إلى حكمِ أهلِ الإسلامِ، ولا منزلةَ بينَ الموت والحياةِ يجوزُ أن يقالَ: لا يَقْبَلُ اللهُ فيها توبةَ الكافرِ. فإذ صَحَّ أنها في حال حياتِه مَقْبولةٌ، ولا سبيلَ بعدَ المماتِ إليها، بطَل قولُ الذي زعَم أنها غيرُ مقبولةٍ عندَ حُضورِ الأجلِ.

وأما قولُ مَن زعَم أن معنى ذلك: التوبةُ التي كانت قبلَ الكفرِ. فقولٌ لا معنَى له؛ لأن الله ﷿ لم يَصِفِ القومَ بإيمانٍ كان منهم بعدَ كُفْرٍ، ثم كُفْرٍ بعدَ إيمانٍ، بل إنما وَصَفهم بكُفْرٍ بعدَ إيمانٍ، فلم يَتَقَدَّمْ ذلك الإيمانَ كفرٌ كان للإيمانِ لهم توبةٌ منه، فيكونَ تأويلُ ذلك على ما تأوَّله قائلُ ذلك. وتأويلُ القرآنِ على ما كان موجودًا في ظاهرِ التلاوةِ - إذا لم تكُنْ حُجَّةٌ تدلُّ على باطنٍ خاصٍّ - أولى من غيرِه وإن أمكَن تَوْجيهُه إلى غيرِه.

وأما قولُه: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾. فإنه يعنى بذلك: وهؤلاء الذين

كَفروا بعدَ إيمانِهم ثم ازدادوا كُفْرًا، هم الذين (٢) ضَلُّوا (٣) سبيلَ الحقِّ، فَأَخْطَئُوا مَنْهَجه، وترَكوا نَصَفَ (٤) السبيلِ وهدَى اللهِ (٥)، [حَيْرةً منهم، وعمًى عنه] (٦).


(١) في ص، ت ١، س: "غيرها".
(٢) بعده في ت ٢: "كفروا".
(٣) في ص، ت ١، س: "أضلوا".
(٤) في م: "منصف". ونصف السبيل عدله وجادته.
(٥) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، س، وبعده في م: "الذي".
(٦) في ص: "خبرهم منهم"، وفى م: "أخبرهم عنه فعموا عنه".