للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما بعدَها إذ (١) كانت في سياقٍ واحدٍ.

وإنما قلنا: معنى ازديادِهم الكفرَ ما أصابوا في كفرِهم من المعاصي؛ لأنه جلَّ ثناؤه قال: ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾. فكان معلومًا أن معنى قولِه: ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾. إنما هو مَعْنِيٌّ به: لن تُقْبَلَ توبتُهم مما ازدادوا (٢) من الكفر على كفرِهم بعدَ إيمانِهم، لا مِن كفرِهم؛ لأن الله تعالى ذكرُه وعَد أن يَقْبَل التوبةَ من عبادِه، فقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ [الشورى: ٢٥]. فمُحالٌ أن يقولَ ﷿: أَقْبَلُ، ولا أقبَلُ. في شيءٍ واحدٍ. وإذ كان ذلك كذلك - وكان من حُكْمِ اللهِ في عبادِه أنه قابِلٌ توبةَ كلِّ تائبٍ من كلِّ ذنبٍ، وكان الكفرُ بعدَ الإيمانِ أحدَ تلك الذنوبِ التي وَعَدَ قَبولَ التوبةِ منها بقولِه: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ - عُلِم أن المعنَى الذي لا يَقْبَلُ التوبةَ منه غيرُ المعنى الذي يَقْبَلُ التوبةَ منه. وإذ كان ذلك كذلك، فالذي لا يَقْبَلُ منه التوبةَ هو الازديادُ على الكفرِ بعدَ الكفرِ، لا يَقْبَلُ اللهُ (٣) توبةَ صاحبِه ما أقام على كفرِه؛ لأن الله لا يَقْبَلُ من مُشْرِكٍ عملًا ما أقام على شِرْكِه وضَلالِه، فأمَّا إن تابَ من شِرْكِه وكفرِه وأصلَح، فإن الله - كما وصَف به نفسَه - غفورٌ رحيمٌ.

فإن قال قائلٌ: وما يُنكَرُ أن يكونَ معنى ذلك كما قال مَن قال: فلن تُقْبَلَ تَوْبتُهم من كفرِهم عندَ حُضورِ [أجلِه، و (٤) تَوْبَتُه الأولى] (٥)؟


(١) في ص، ت ٢: "إذا".
(٢) في ص: "أرادوا".
(٣) بعده في ص، ت ٢، س: "منه".
(٤) في ص، س: "أو".
(٥) لعل صواب السياق: "أجلهم وتوبتهم الأولى".