للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهي شبيهةُ نونِ الإعرابِ في الأسماءِ في قولِ القائلِ: رأيت رجلًا عندَك. فإذا وُقِف على الرجلِ قيل: رأيت رجلا. فصارت النونُ ألفًا (١)، فكذلك ذلك في: ﴿وَلَيَكُونًا﴾. ومثلُه قولُه: ﴿لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ﴾ [العلق: ١٥، ١٦]. الوقفُ عليه بالألفِ؛ لما ذكرت، ومنه قولُ الأعشى (٢):

وصَلِّ على حينِ العشيَّاتِ والضُّحَى … ولا تعبُدِ الشيطانِ واللهَ فاعبُدَا

وإنما هو: فاعبُدَنْ. ولكن إذا وُقِف عليه كان الوقفُ بالألفِ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣)﴾.

وهذا الخبرُ من اللهِ يدلُّ على أن امرأةَ العزيزِ قد كانت (٣) عاودت يوسفَ في المراودةِ عن نفسِه، وتوعَّدَتْه بالسِّجْنِ والحَبْسِ إن لم يفعَلْ ما دعَتْه إليه، فاختار السِّجْنَ على ما دعته إليه من ذلك؛ لأنها لو لم تكنْ عاودته وتوعَّدته بذلك، كان محالًا أن يقولَ: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾. وهو لا يُدْعَى إلى شيءٍ، ولا يخوَّفُ بحبسٍ.

والسِّجْنُ هو المَحْبِسُ (٤) نفسُه، وهو بيتُ الحبسِ. وبكسرِ السِّينِ قرأه قرأَةُ الأمصارِ كلِّها، والعربُ تضعُ الأماكنَ المشتقةَ من الأفعالِ مواضعَ الأفعال، فتقولُ: طلَعت الشمسُ مَطْلِعًا، وغرَبَت مَغْرِبًا. فيجعَلونها وهي أسماءٌ، خَلَفًا من المصادرِ، فكذلك السِّجْنُ، فإذا فتحت السينَ من السِّجْنِ كان مصدرًا


(١) المراد بالنون هنا التنوين. ينظر مصطلحات النحو الكوفي ص ١٣٢، ١٣٣.
(٢) ديوانه ص ١٣٧، وروايته:
وذا النصب المنصوب لا تنسكنه … ولا تعبد الأوثان والله فاعبدا
وصلّ على حين العشيّات والضحى … ولا تحمد الشيطان والله فاحمدا
(٣) سقط من: م.
(٤) في م: "الحبس".