للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قولُه: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ﴾. فإنه يعني أنه أرسَل رسلًا يُبشِّرون مَن أطاع اللَّهَ بجزيلِ الثوابِ وكريمِ المآبِ.

ويعني بقولِه: ﴿وَمُنْذِرِينَ﴾: ينذرون مَن عصَى اللَّهَ فكفَر به بشدةِ العقابِ، وسوءِ الحسابِ، والخُلودِ في النارِ، ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾. يعني بذلك: ليَحْكُمَ الكتابُ وهو التوراةُ بينَ الناسِ فيما اخْتلَف المُختلِفون فيه. فأضاف جل ثناؤُه الحُكْمَ إلى الكتابِ، وأنه الذي يَحكُمُ بينَ الناسِ دونَ النَّبِيين والمُرسلين، إذ كان مَن حكَم مِن النَّبِيين والمُرسلين بحُكمٍ (١)، إنما يَحكُمُ بما دلَّهم عليه الكتابُ الذي أنزَله اللَّهُ ﵎، فكان الكتابُ بدَلالتهِ على ما دلَّ (٢) على صِحَّتِه من الحُكْمِ، حاكمًا بينَ الناسِ، وإن كان الذي يَفْصِلُ القضاءَ بينَهم به (٣) غيرَه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾.

يعني جل ثناؤُه بقولِه: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ﴾: وما اخْتَلَف في الكتابِ الذي أنزَله وهو التوراةُ، ﴿إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ﴾، يعني بذلك اليهودَ مِن بني إسرائيلَ، وهم الذين أوتوا التوراةَ والعلمَ بها. والهاءُ في قولِه: ﴿فِيهِ﴾ (٤). عائدةٌ على الكتابِ الذي أنزلَه اللَّهُ، ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾. يعني بذلك: مِن بعدِ ما جاءتهم حججُ اللَّهِ وأدلتُه أن الكتابَ الذي اخْتلَفوا فيه وفي أحكامِه مِن عندِ اللَّهِ، وأنه الحقُّ


(١) في الأصل: "يحكم".
(٢) بعده في م: "وصفه".
(٣) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٤) في م: "أوتوه".