للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي لا يَسَعُهم الاختلافُ فيه، ولا العملُ بخلافِ ما فيه. فأخبر تعالى ذِكْرُه عن اليهودِ مِن بني إسرائيلَ أنهم خالَفوا حكمَ (١) التوراةِ، واخْتلَفوا فيه على علمٍ منهم بخطإٍ (٢) ما يَأتُون، مُتَعمدِين الخلافَ على اللَّهِ فيما خالَفوه فيه مِن أمرِه و (٣) حكمِ كتابِه.

ثم أخْبَر جل ثناؤُه أن تَعمُّدَهم الخطيئةَ التي أتَوها (٤)، ورُكوبَهم المعصيةَ التي رَكِبُوها مِن خِلافِهم أمرَه، إنما كان منهم بغيًا بينَهم.

والبغيُ مصدرٌ مِن قولِ القائلِ: بَغَى فلانٌ على فلانٍ بغيًا. إذا طَغَى واعتدَى عليه فجاوز حدَّه، ومِن ذلك قيلَ للجُرحِ إذا [اشتدَّ وتورَّم: بغَى يبغِي بَغْيًا] (٥)، وللبحرِ إذا كَثُرَ ماؤُه ففاضَ، وللسحابِ إذا وقَع بأرضٍ فأخْصَبت: بغَى. كلُّ ذلك بمعنًى واحدٍ، وهي زيادتُه وتجاوُزُه حدَّه. فمعنَى قولِه جل ثناؤُه: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾. مِن ذلك، يقولُ: لم يَكُنِ اختلافُ هؤلاءِ المُختلِفين مِن اليهودِ مِن بني إسرائيلَ في كتابي الذي أنزَلتُه مع نبيٍّ عن جهلٍ منهم به، بل كان اختلافُهم فيه وخلافُ حُكمِه مِن بعدِ ما ثَبَت حجتُه عليهم بغيًا بينهم، طَلَبَ الرياسةِ مِن بعضِهم على بعضٍ، واستذلالًا مِن بعضِهم لبعضٍ.

كما حُدِّثْتُ عن عمارِ بنِ الحسنِ، قال: ثنا ابنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن


(١) في م: "الكتاب".
(٢) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٣) سقط من: الأصل.
(٤) في م، ت ١، ت ٣: "أنزلها".
(٥) في م: "أمد".