للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تَقْضِى عنها شيئًا لزِمها لغيرِها؛ لأن القَضاءَ هنالك مِن الحسناتِ والسيئاتِ على ما وصَفْنا. وكيف يَقْضِى عن غيرِه غُرْمًا (١) لزِمه مَن كان يَسُرُّه أن يَثْبُتَ له على ولدِه أو والدِه حقٌّ فيَأْخُذَه منه ولا يَتَجافَى له عنه؟

وقد زعَم بعضُ نحويِّى البصرةِ أن معنى قولِه: ﴿لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾: لا تَجْزِى منها أن تكونَ مكانَها.

وهذا قولٌ يَشْهَدُ ظاهرُ القرآنِ على فَسادِه؛ وذلك أنه غيرُ معقولٍ في كلامِ العربِ أن يَقولَ القائلُ: ما أغْنَيْتَ عنى شيئًا. بمعنى: ما أغْنَيْتَ منى أن تكونَ مكانى. بل إذا أرادوا الخبرَ عن شيءٍ أنه لا يَجْزِى مِن شيءٍ، قالوا: لا يَجْزِى هذا مِن هذا. ولا يَسْتَجِيزون أن يَقولوا: لا يَجْزِى هذا مِن هذا شيئًا.

فلو كان تأويلُ قولِه: ﴿لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾. ما قاله مَن حكَيْنا قولَه، لقال: واتَّقوا يومًا لا تَجْزِى نفسٌ عن نفسٍ. كما يقالُ: لا تجزِى نفسٌ مِن نفسٍ. ولم يَقُلْ: ﴿لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾. وفى صحةِ التنزيلِ بقولِه: ﴿لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾ أوضحُ الدَّلالةِ على صحةِ ما قلْنا، وفسادِ قولِ مَن ذكَرْنا قولَه في ذلك.

القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: ﴿وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ﴾.

قال أبو جعفرٍ: و"الشَّفاعةُ" مصدرٌ مِن قولِ الرجلِ: شفَع لى فلانٌ إلى فلانٍ شَفاعةً. وهو طلَبُه إليه في قضاءِ حاجتِه، وإنما قيل للشفيعِ: شَفيعٌ وشافعٌ. لأنه ثنَّى المُسْتَشْفِعَ به (٢)، فصار له شَفْعًا، وكان ذو الحاجةِ قبلَ اسْتِشْفاعِه به في حاجتِه فَردًا،


(١) في ر، م: "ما"، وفى ت ٢، ت ٣: "عن ما".
(٢) في م: "له".