يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ ﷺ: قل يا محمدُ لهؤلاء المشركين الذين عبَدوا مِن دونِ اللَّهِ الذي بيدِه نفعُهم وضَرُّهم، ما لا يَنْفَعُ ولا يَضُرُّ: هل يَسْتَوى الأعمى الذي لا يُبْصِرُ شيئًا، ولا يَهْتدى لمحَجَّةٍ يَسْلُكُها، إلا بأن يُهْدَى، والبصيرُ الذي يَهدى الأعمى لمحجَّةِ الطريقِ الذي لا يُبْصِرُه، إنهما لا شكَّ لَغَيرُ مستوِيَين، يقولُ: فكذلك لا يَسْتَوى المؤمنُ الذي يُبْصِرُ الحقَّ فيَتْبَعُه، ويَعْرِفُ الهُدَى فيَسْلُكُه؛ وأنتم أيها المشركون، الذين لا تَعْرِفون حقًّا، ولا تُبْصِرون رُشدًا.
وقولُه: ﴿أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وهل تَسْتَوى الظُّلُماتُ التي لا تُرَى فيها المَحَجَّةُ فتُسْلَكَ، ولا يُرَى فيها السبيلُ فيُركَبَ، والنورُ الذي تُبصَرُ به الأشياءُ، ويَجلو ضوءُه الظلامَ؟ يقولُ: إنَّ هذين لا شكَّ لَغَيرُ مستوِيَين، فكذلك الكفرُ باللَّهِ إنما صاحبُه منه في حَيْرةٍ، يَضْرِبُ أبدًا في غَمْرةٍ لا يَرْجِعُ منه إلى حقيقةٍ، والإيمانُ باللَّهِ صاحبُه منه في ضياءٍ، يَعمَلُ على علمٍ بربِّه، ومعرفةٍ منه بأنَّ له مُثيبًا يُثيِبُه على إحسانِه، ومعاقِبًا يُعاقبُه على إساءتِه، ورازقًا يَرْزُقُه، ونافعًا يَنْفَعُه.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ﴾: أما الأعمى والبصيرُ، فالكافرُ والمؤمنُ، وأما الظلماتُ والنورُ، فالهُدى والضلالُة (١).
(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٥٤ إلى المصنف.