للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون: عُنى بالفتحِ القريبِ في هذا الموضعِ فتحُ خيبرِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: ﴿فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾. قال: خيبرَ، حين رجَعوا من الحُديبيةِ، فتَحها اللهُ عليهم، فقسَّمَها على أهلِ الحديبيةِ كلِّهم إلَّا رجلًا واحدًا من الأنصارِ يقالُ له: أبو دُجانة سِماكُ بنُ خَرَشةَ. كان قد شَهِد الحديبيةَ وغاب عن خيبرَ (١).

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصواب أن يُقالَ: إن الله أخبر أنَّه جعَل لرسولِه والذين كانوا معه مِن أهلِ بيعة الرضوانِ فتحًا قريبًا من دون دخولهم المسجدَ الحرامَ، ودون تصديقه رُؤيا رسول الله ، وكان صلحَ الحُديبيةِ وفتحُ خيبرَ دونَ ذلك، ولم يَخْصصِ اللهُ تعالى ذكرُه خبرَه ذلك عن فتحٍ من ذلك دونَ فتحٍ، بل عمَّ ذلك، وذلك كلُّه فتحٌ جعَله اللهُ مِن دونِ ذلك.

والصوابُ أن يَعُمَّه كما عمَّه، فيقالُ: جعَل اللهُ مِن دونِ تصديقهِ رُؤيا رسولِ اللهِ بدخولِه وأصحابِه المسجدَ الحرامَ مُحلِّقين رءوسَهم ومقصِّرين، لا يخافون المشركِين - صُلح الحُديبية وفَتْحَ خيبر.

القولُ في تأويلِ قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (٢٨) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٨١ إلى المصنف.