للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفريقَين اللذَين همُّ أحدِهما الدارُ العاجلةُ، وإياها يَطلُبُ، ولها يَعمَلُ، والآخرِ الذي يُرِيدُ الدارَ الآخرةَ، ولها يَسْعَى، مُوقِنًا بثوابِ اللَّهِ على سعيِه، ﴿كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (١): كيف فضَّلنا أحدَ الفريقين على الآخرِ، بأنْ بَصَّرنا هذا رُشْدَه، وهَدَيْناه للسبيلِ التي هي أقومُ، وهديناه (٢) للذى هو أهدَى وأرشدُ، وخذَلْنا هذا الآخرَ، فأَضْلَلناه عن طريقِ الحقِّ، وأَغْشَيْنَا بصرَه عن سبيلِ الرشدِ، ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ﴾. يقولُ: وفريقُ مريدِى الآخرةِ أكبرُ في الدارِ (٣) الآخرةِ درجاتٍ، بعضُهم على بعضٍ؛ لتفاوتِ منازِلهم بأعمالِهم في الجنةِ، ﴿وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ بتفضيلِ اللَّهِ بعضَهم على بعضٍ من هؤلاء الفريقِ الآخرين في الدنيا فيما بَسَطنا لهم فيها.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾. أي: في الدنيا، ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ وإن للمؤمنين في الجنةِ منازلَ، وإن لهم فضائلَ بأعمالِهم، وذكِر لنا أن نبيَّ اللَّهِ قال: "إن بيَن أعلَى أهلِ الجنِة وأسفلِهم درجةً كالنَّجْمِ يُرَى في مَشارِقِ الأرضِ ومغاربِها" (٤).

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا


(١) سقط من: م.
(٢) في م: "يسرناه".
(٣) بعده في ص، ت ٢، ف: "الدنيا"، وفي ت ١: "الدنيا و".
(٤) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ١٧٠ إلى المصنف وابن أبي حاتم.