للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه خبرًا عن ملائكتِه: ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾.

إن قال لنا قائلٌ: وكيف قالتِ الملائكةُ لربِّها، إذ أخبَرها أنه جاعلٌ في الأرضِ خليفةً: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ يكنْ آدمُ بعدُ مخلوقًا ولا ذريتُه، فيعلَموا ما يفعَلون عِياناً؟ أعلِمتِ الغيبَ فقالت ذلك، أم قالت ما قالت مِن ذلك ظنًّا؟ فذلك شهادةٌ منها بالظنِّ، وقولٌ بما لا تعلمُ، وذلك ليس مِن صفتِها، أمْ ما وجهُ قِيلِها ذلك لربِّها؟

قيل: قد قالتِ العلماءُ من أهلِ التأويلِ في ذلك أقوالاً، ونحن ذاكِرو أقوالِهم في ذلك، ثم مُخْبِرون بأصحِّها برهانًا وأوضحِها حُجةً.

فرُوِي عن ابنِ عباسٍ في ذلك ما حدثنا به أبو كُريبٍ، قال: حدَّثنا عثمانُ بنُ سعيدٍ، قال: حدَّثنا بشرُ بنُ عُمارةَ، عن أبي رَوْقٍ، عن الضحاكِ، عن ابنِ عباسٍ، قال: كان إبليسُ مِن حيٍّ مِن أحياءِ الملائكةِ يقالُ لهم: الجنُّ (١). خُلِقوا من نارِ السَّمومِ مِن بيِن الملائكةِ. قال: وكان اسمُه الحارثَ. قال: وكان خازنًا مِن خُزَّانِ الجَنَّةِ. قال: وخُلِقتِ الملائكةُ كلُّهم مِن نورٍ غيرَ هذا الحيِّ. قال: وخُلِقتِ الجنُّ الذين ذكِروا في القرآنِ من مارجٍ من نارٍ - وهو لسانُ النارِ الذي يكونُ في طرَفِها إذا أُلهِبَت - قال: وخلِق الإنسانُ [من طينٍ] (٢)، فأولُ من سكَن الأرضَ الجنُّ، فأفسَدوا فيها وسفَكوا الدماءَ، وقتَل بعضُهم بعضًا. قال: فبعَث اللهُ جلَّ وعزَّ إليهم


= عيسى ونصر بن الحسن الطبري. وسمع أبو الفتح أحمد بن عمر الجهاري من موضع سماعه. وكتب محمد بن أحمد بن عيسى السعدي في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربع مائة، بسم الله الرحمن الرحيم رب تمم".
(١) في ص: "الحن".
(٢) سقط من: ص.