للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الملائكةَ إنما قالت لربِّها - إذ قال لهم ربُّهم: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ -: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾. إخبارًا منها بذلك عن الخليفةِ الذي أخبَر اللهُ جلَّ ذِكْرُه أنه جاعِلُه في الأرضِ لا عن (١) غيرِه؛ لأنَّ [المحاورةَ بين] (٢) الملائكةِ وبين ربِّها عنه جرتْ. قالوا: فإذ كان ذلك كذلك، وكان اللهُ تعالى ذِكْرُه قد برَّأ آدمَ من الإفسادِ في الأرضِ وسفْكِ الدماءِ، وطهَّره من ذلك، عُلِمَ أن الذي عُنِي به غيرُه من ذرِّيتِه. فثبَت أن الخليفةَ الذي يفسِدُ في الأرضِ ويَسفِكُ الدماءَ هو غيرُ آدمَ، وأنهم ولدُه الذين فعلُوا ذلك، وأن معنى الخلافةِ التي ذكَرها اللهُ إنما هي خلافةُ قرْنٍ منهم قرنًا، عندَهم (٣)؛ لما وصَفْنا. وأغفَل قائلُو هذه المقالةِ ومتأوِّلو الآيةِ هذا التأويلَ سبيلَ التأويلِ، وذلك أن الملائكةَ - إذ قال لها ربُّها: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ - لَمْ تُضِفِ (٤) الإفسادَ وسفْكَ الدماءِ في جوابِها ربَّها إلى خليفتِه في أرضِه، بل قالت: ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾. [وغيرُ مُنكرٍ أن يكونَ ربُّها أعلَمَها أنه يكونُ لخليفتِه ذلكَ ذريةٌ يكونُ منهم الإفسادُ وسفكُ الدماءِ [فقالت: يا ربَّنا، أتجعلُ فيها من يفسِدُ فيها ويسفِكُ الدماءَ] (٥)] (٦). كما قال ابنُ مسعودٍ وابنُ عباسٍ ومَن حكَيْنا ذلك عنه من أهلِ التأويلِ (٧).


(١) سقط من: م.
(٢) في ر: "المجاورة من".
(٣) في ص، م، ت ١، ت ٢: "غيرهم". وعندهم. يعني عند هؤلاء المتأولين.
(٤) في ص: "تصف"، وفي: ت ٢: "يصف".
(٥) سقط من: ر.
(٦) سقط من: الأصل.
(٧) بعده في ص: "على الأصل المنقول منه بلغت من أوله قراءتي على القاضي أبي الحسن الخصيب بن عبد الله الخصيبي عن أبي محمد الفرغاني عن أبي جعفر الطبري. وسمع معي أخي على بن أحمد بن =