للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَتَحَاسَدونَ ويَقْتُلُ بعضُهم بعضًا (١).

فكان تأويلُ الآيةِ على هذه الروايةِ التي ذكَرناها عن ابنِ مسعودٍ وابنِ عباسٍ: إني جاعلٌ في الأرضِ خليفةً منِّي يَخْلُفُني في الحكمِ بمنَ خَلْقِي، وذلك الخليفةُ هو آدمُ وَمَن قامَ مَقامَه في طاعةِ اللهِ، والحكمِ بالعدلِ بينَ خَلْقِه. وأما الإفسادُ وسفكُ الدماءِ بغيرِ حَقِّها فمن غيرِ خلفائِه، ومن غيرِ آدمَ ومَن قام مَقامَه في عبادِ اللهِ؛ لأنهما أخبرَا أن اللهَ تعالى ذِكْرُه قال لملائكتِه إذْ سألوه: ما ذاك الخليفةُ؟: إنه خليفةٌ تكونُ له ذريةٌ يُفْسِدون في الأرضِ ويتحاسَدون ويَقْتُلُ بعضُهم بعضًا. فأضاف الإفسادَ وسفْكَ الدماءِ بغيرِ حقِّها إلى ذريةِ خَليفتِه دونَه، وأخرَج منه خليفتَه.

وهذا التأويلُ وإن كان مخالفًا في معنى الخليفةِ ما حُكِي عن الحسنِ من وجهٍ، فموافقٌ له من وجهٍ، فأما موافقتُه إياه فصرْفُ متأوِّلِيه إضافةَ الإفسادِ في الأرضِ وسَفْكِ الدماءِ فيها إلى غيرِ الخليفةِ. وأما مخالفتُه إياه، فإضافتُهم الخلافةَ إلى آدمَ بمعنى استخلافِ اللهِ إياه فيها. وإضافةُ الحسنِ الخلافةَ إلى ولدِه، بمعنى خلافةِ بعضِهم بعضًا، وقيامِ قرْنٍ منهم مَقامَ قَرْنٍ قبلَهم، وإضافةِ الإفسادِ في الأرض وسَفْكِ الدماءِ إلى الخليفةِ.

والذي دعَا المتأوِّلين قولَه: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾

التأويلَ (٢) الذي ذُكِر عن الحسنِ - إلى ما قالوا في ذلك؛ أنّهم قالوا: إن


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ١/ ١٠١ عن السدي به.
وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٧٧ (٣٢٤) من طريق السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس وحده، نحوه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٤٥ إلى عبد بن حميد. وسيأتي مطولا في ص ٤٨٦ - ٤٨٨، ٥٠٩، ٥١٠.
(٢) في م: "في التأويل".