للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾.

يعني تعالى ذكرُه بذلك: نساؤُكم لباسٌ لكم، وأنتم لباسٌ لهنَّ.

فإن قال قائلٌ: وكيف يكونُ نساؤُنا لباسًا لنا ونحن لهنَّ لباسًا، واللباسُ إنما هو ما لُبِسَ؟

قيل: لذلك وجهان من المعاني: أحدُهما: أن يكونَ كلُّ واحدٍ منهما جُعِل لصاحبِه لباسًا، لِتخرُّجِهما (١) عندَ النومِ واجتماعِهما في ثوبٍ واحدٍ وانضمامِ جسدِ كلِّ واحدٍ منهما لصاحبِه، بمنزلةِ ما يَلْبَسُه على جسدِه مِن ثيابِه، فقيل لكلِّ واحدٍ منهما: هو لباسٌ لصاحبِه. كما قال نابغةُ بني جَعْدَةَ (٢):

إذَا ما الضَّجِيعُ ثَنَى جِيدَها (٣) … تَدَاعَتْ فَكانَتْ عَلَيْهِ لِباسَا

ويُرْوَى: تَثَنَّت. فكَنَى عن اجتماعِهما مُتَجَرِّدَينِ في فراشٍ واحدٍ باللباسِ، كما يُكْنَى بالثيابِ عن جسدِ الإنسانِ، كما قالت ليلى (٤) وهي تَصِفُ إبِلًا ركِبها قومٌ:

رَمَوها بأثْوَابٍ خِفافٍ فلَا تَرَى … لَهَا شَبَهًا إلَّا النَّعامَ المنُفَّرَا

يعني: رمَوها بأنفسِهم فركِبوها. وكما قال الهُذَليُّ (٥):

تَبَرَّأُ مِنْ دَمِّ القَتِيلِ وبَزِّه (٦) … وقَدْ عَلِقَتْ دَمَّ القَتِيلِ إزَارُها


(١) يعني به لخروجهما من ثيابهما.
(٢) شعر النابغة الجعدي ٨١.
(٣) في م: "عطفها".
(٤) هي ليلى الأخيليةُ والبيت في: المعاني الكبير ١/ ٤٨٦، والصناعتين ص ٣٥٣.
(٥) هو أبو ذؤيب، والبيت في ديوان الهذليين ١/ ٢٦.
(٦) في م: "وتره".