للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد تقَدَّم -أن الذي احْتَجَّ به مِن الحُجَجِ في (١) الآياتِ التى فيها أنباءُ أسْلافِهم وأخبارُ أوائلِهم، وقَصَصُ الأمورِ التى هم بعلمِها مَخْصوصون دونَ غيرِهم مِن سائرِ الأممِ، ليس عندَ (٢) غيرِهم مِن العلمِ بصحتِه وحقيقتِه مثلُ الذي لهم مِن العلمِ به، إلا لمن اقتَبَس علمَ ذلك منهم، فعرَّفهم باطِّلاعِ محمدٍ ﷺ على علمِها -مع بُعْدِ قومِه وعَشيرتِه مِن معرفتِها، وقلَّةِ مُزاولةِ محمدٍ ﷺ دراسةَ الكتبِ التى فيها أنباءُ ذلك- أن محمدًا ﷺ لم يَصِلْ إلى علمِ ذلك إلا بوحىٍ مِن اللهِ تعالى ذكرُه وتنزيلٍ منه ذلك إليه، لأنهم مِن عِلْمِ صحةِ ذلك بمَحلٍّ ليس به مِن الأممِ غيرُهم، فلذلك تعالى ذكرُه خصَّ بقولِه: ﴿يَابَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ خطابَهم.

كما حدَّثنا به ابنُ حميدٍ، قال: حدَّثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، عن محمدِ بنِ أبي محمدٍ، عن عكرمةَ، أو عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ قولَه: ﴿يَابَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ قال: يا أهلَ الكتابِ، للأحْبارِ مِن يهودَ (٣).

القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤه: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾.

ونعمتُه التى أنْعَمها على بنى إسرائيلَ (٤) اصْطفاؤُه منهم الرسلَ، وإنزالُه عليهم الكتبَ، واسْتِنْقاذُه إياهم مما كانوا فيه مِن البلاءِ والضَّرَّاءِ مِن فرعونَ وقومِه، إلى التَّمْكينِ لهم في الأرضِ، وتَفْجيرِ عُيونِ الماءِ مِن الحجرِ، وإطعامِ المنِّ والسَّلْوَى، فأمَر جل ثناؤُه أعْقابَهم أن يَكونَ ما سلَف منه إلى آبائِهم على ذِكْرٍ منهم (٥)، وألا يَنْسَوْا صَنيعَه إلى أسلافِهم وآبائِهم، فيُحِلَّ بهم مِن النِّقَمِ ما أحَلَّ بمَن نسِى نعمَه عندَه منهم


(١) في ص، م: "و".
(٢) في ص: "عندهم".
(٣) سيرة ابن هشام ١/ ٥٣٤، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٩٥ (٤٣٤) من طريق سلمة به.
(٤) بعده في ر: "وتلك النعم"، وبعده في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "جل ذكره".
(٥) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.