وقوله: ﴿وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ﴾. يقولُ: وأيْقَنوا حينَئذٍ ما لهم مِن مَلْجَأ، أي: ليس لهم ملجأٌ يَلْجَئون إليه مِن عذابِ اللَّهِ.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدٌ، قال: ثنا أحمدُ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ: ﴿وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ﴾ اسْتَيقَنوا أنه ليس لهم ملجأٌ.
واخْتَلَف أهلُ العربيةِ في المعنى الذي من أجلِه أُبْطِل عملُ الظَّنِّ في هذا الموضعِ؛ فقال بعضُ أهلِ البصرةِ: فُعِل ذلك؛ لأن معنى قولِه: ﴿وَظَنُّوا﴾. اسْتَيْقَنوا. قال: و ﴿مَا﴾ ههنا حرفٌ وليس باسمٍ، والفعلُ لا يَعْمَلُ في مثلِ هذا، فلذلك جُعِل الفعلُ مُلْغًى. وقال بعضُهم: ليس يُلْغَى الفعلُ وهو عاملٌ في المعنى إلا لعلةٍ. قال: والعلُة أنه حكايةٌ، فإذا وقَع على ما لم يَعْمَلْ فيه، كان حكايةً وتَمَنِّيًا، وإذا عمِل فهو على أصلِه.
وقوله: ﴿لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْر﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: لا يَمَلُّ الكافرُ باللَّهِ ﴿مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ﴾. يعنى: مِن دعائِه بالخيرِ، ومسألتِه إياه ربَّه، والخيرُ في هذا الموضع المالُ وصحةُ الجسمِ، يقولُ: لا يَمَلُّ من طلبِ ذلك ﴿وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ﴾. يقولُ: وإن ناله ضرٌّ في نفسِه؛ مِن سُقْمٍ أو جَهْد في معيشَةٍ، أو احتباسٍ مِن رزقٍ، ﴿فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ﴾. يقولُ: فإنه ذو إياسٍ مِن رَوْحِ اللَّهِ وفرجِه، قَنوطٌ مِن رحمتِه، ومن أن يَكْشِفَ ذلك الشرَّ النازلَ به عنه.