للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدُهما: تحذيرُ عيسى عن قيلِ ذلك ونهيُه، كما يقولُ القائلُ لآخرَ: أَفعَلْتَ كذا وكذا؟ مما يَعْلَمُ المقولُ له ذلك أن القائلَ يَسْتَعْظِمُ فعلَ ما قال له: أَفعَلْتَه؟ على وجهِ النهيِ عن فعلِه والتهديدِ له فيه.

والآخرُ: إعلامُه أن قومه الذين فارَقَهم قد خالَفوا عهدَه وبدَّلوا دينَهم بعدَه، فيكونُ بذلك جامعًا إعلامَه حالَهم بعدَه وتحذيرًا له قِيلَه.

وأما تأويل الكلامِ فإنه: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ﴾. أي: مَعْبودَيْن تَعْبُدونهما ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ قال عيسى: تَنْزِيهًا لك يا ربِّ وتعظيمًا أن أَفْعَلَ ذلك أو أَتَكَلَّمَ به، ﴿مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾. يقولُ: ليس لى أن أَقُولَ ذلك؛ لأنى عبدٌ مخلوقٌ، وأمِّى أمَةٌ لك، [فهل يَكونُ] (١) للعبدِ (٢) والأمَةِ ادِّعاءُ ربوبيةٍ؟

﴿إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾. يقولُ: إنك لا يَخْفَى عليك شيءٌ، وأنت عالمٌ أنى لم أَقُلْ ذلك ولم آمُرْهم به.

القولُ في تأويلِ قولِه ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه مُخْبِرًا عن نبيِّه عيسى أنه يَبْرَأُ إليه مما قالت فيه وفى أمِّه الكفَرةُ مِن النصارى، أن يكونَ دعاهم إليه، أو أمَرَهم به، فقال: ﴿سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾. ثم قال: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي﴾. يقولُ: إنك يا ربِّ لا يَخْفَى عليك ما أضْمَرَته نفسى مما لم أَنْطِقُ به، ولم أُظْهِرْه بجَوارحى، فكيف بما قد نطَقْتُ به وأَظْهَرْتُه بجَوارحِي؟ يقولُ: لو كنتُ


(١) في ص، ت ١ "فيكون يكون"، وفى س: "فيكون".
(٢) في س: "العبد".