جاز ذلك في جميعِ أجزائِها، وإذا جاز ذلك وجَب أن يَكُونَ جائزًا عليهم الفناءُ، ثم الإعادةُ والموتُ، ثم الإحياءُ، وقد أخبرَ الله عنهم أنهم لا يَمُوتون. قالوا: وفى خبرِه عنهم أنهم لا يَمُوتون دليلٌ واضحٌ أنه لا يَمُوتُ شيءٌ مِن أجزاءِ أجسامِهم، والجلودُ أحدُ تلك الأجزاءِ.
وأما معنى قولِه: ﴿لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ فإنه يقولُ: فعَلنا ذلك بهم ليَجِدُوا ألمَ العذابِ وكَرْبَه وشِدَّتَه، بما كانوا في الدنيا يُكَذِّبون آياتِ اللهِ ويَجْحَدُونها.
القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (٥٦)﴾.
يقولُ: إن الله لم يَزَلْ عزيزًا في انتقامِه ممن انتقَم منه مِن خلقِه، لا يَقْدِرُ على الامتناعِ منه أحدٌ أراده بضرٍّ، ولا الانتصارِ منه أحدٌ أحلَّ به عقوبةً، حكيمًا في تدبيرِه وقضائِه.
قال أبو جعفرٍ ﵀: يَعْنى بقولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾: والذين آمَنوا بالله ورسولِه محمدٍ ﷺ، وصدَّقوا بما أنزَل الله على محمدٍ مصدِّقًا لما معهم؛ من يهودِ بنى إسرائيلَ وسائرِ الأممِ غيرِهم، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾. يَقُولُ: وأدَّوْا ما أمَرهم الله به مِن فرائضِه، واجْتَنَبوا ما حرَّم الله عليهم مِن معاصيه، وذلك هو الصالحُ مِن أعمالِهم، ﴿سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾. يقول: سوف يُدْخِلُهم الله يومَ القيامةِ جناتٍ، يَعْنى بساتينَ، ﴿تَجْرِي