للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: وذلك نظيرُ قولِ العربِ للصائغِ - إذا اسْتَصَاغَتْه خاتَمًا مِن خَاتَمٍ مصوغٍ، بتحويلِه عن صِياغتِه التي هو (١) بها إلى صياغةٍ أُخرى -: صُغْ لى مِن هذا الخاتمِ خاتَمًا غيرَه. فيَكْسِرُه ويَصوغُه (٢) له منه خاتَمًا غيرَه، والخاتمُ المصوغُ بالصياغةِ (٣) الثانيةِ هو الأوّلُ، ولكنه لما أُعيدَ بعدَ كسرِه خاتَمًا قيل: هو غيرُه. قالوا: فكذلك معنى قولِه: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾. لما احْتَرَقت الجلودُ ثم أُعِيدَت جديدًا (٤) بعدَ الاحتراقِ قيل: هي غيرُها. على ذلك المعنى.

وقال آخرون: معنى ذلك: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ﴾. سرابيلُهم، بدَّلناهم سرابيلَ مَن قَطِرانٍ غيرَها، فجُعِلَت السَّرابيلُ القَطِرانُ لهم جُلودًا، كما يُقالُ للشيءِ الخاصِّ بالإنسانِ: هو جِلدةُ ما بينَ عيْنَيه ووجهِه؛ لخُصوصِه به. قالوا: فكذلك سرابيلُ القَطِران التي قال الله في كتابِه: ﴿سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ [إبراهيم: ٥٠]. لما صارَت لهم لباسًا لا تُفارقُ أجسامَهم جُعِلت لهم جلودًا، فقيل: كلما اشتعَل القَطِرانُ في أجسامِهم واحترَق، بُدِّلوا سرابيلَ من قَطِرانٍ آخَرَ. قالوا: وأما جلودُ أهلِ الكفرِ مِن أهلِ النارِ فإنها لا تحترقُ (٥)؛ لأن في احتراقِها إلى حالِ إعادتِها فناءَها، وفى فنائِها راحتُها. قالوا: وقد أخبرَ الله تعالى ذكرُه [عنها أنهم لا يموتون] (٦) ولا يُخَفَّفُ عنهم مِن عذابِها، قالوا: وجلودُ الكفارِ أحدُ أجزاءِ (٧) أجسامِهم، ولو جاز أن يَحْتَرِقَ منها شيءٌ فيَفْنَى ثم يُعادَ بعد الفناءِ في النارِ،


(١) في م: "هي".
(٢) في م: "يصوغ".
(٣) في ص، ت ١: "والصياغة".
(٤) في م: "جديدة".
(٥) في م: "تحرق".
(٦) في ص: "عنها أنها لا تموت"، وفى ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "أنها لا تموت".
(٧) سقط من ص، ت ١، س.