للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾؟ وهل يَجُوزُ أن يُبَدَّلُوا جُلُودًا غيرَ جُلودِهم التي كانَت لهم في الدنيا فيعذَّبوا فيها؟ فإن جاز ذلك عندَك، فأجِزْ أَن يُبَدَّلُوا أجسامًا وأرواحًا غيرَ أجسامِهم وأرواحِهم التي كانت لهم في الدنيا فتُعذَّبَ، فإِن أَجَزْت ذلك لزِمك أن يكونَ المعذَّبون في الآخرةِ بالنارِ غيرَ الذين أوْعَدَهم الله العقابَ على كفرِهم به ومعصيتِهم إياه، وأن يَكُونَ الكفارُ قد ارتفَع عنهم العذابُ!

قيل: إن الناسَ اختلَفوا في معنى ذلك؛ فقال بعضُهم: العذابُ إنما يَصِلُ إلى الإنسانِ الذي هو غيرُ (١) الجلدِ واللحم، وإنما يُحْرَقُ الجلدُ ليَصِلَ إلى الإنسانِ ألمُ العذابِ، فأما الجلدُ واللحمُ فلا يَأْلَمان. قالوا: فسواءٌ أُعِيدَ على الكافرِ جلدُه الذي كان له في الدنيا أو جلدٌ غيرُه، إذ كانَت الجلودُ غيرَ آلمةٍ ولا معذَّبةٍ، وإنما الآلِمةُ المعذَّبةُ النفسُ التي تُحِسُّ الألمَ، ويَصِلُ إليها الوجَعُ. قالوا: وإذ كان ذلك كذلك، فغيرُ مستحيلٍ أن يُخْلَقَ لكلِّ كافرٍ في النارِ في كلِّ لحظةٍ وساعةٍ مِن الجلودِ ما لا يُحْصَى عددُه، ويُحْرَقُ ذلك عليه (٢)، ليَصِلَ إلى نفِسه ألمُ العذابِ، إذ كانت الجلودُ لا تألمُ.

وقال آخرون: بل الجلودُ تَأْلمُ، واللحمُ وسائرُ أجزاءِ جِرْمِ ابن (٣) آدمَ، وإذا أُحْرِق جلدُه أو غيرُه من أجزاءِ جسدِه، وصل ألمُ ذلك إلى جميعِه. قالوا: ومعنى قولِه: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾: بدَّلناهم جُلودًا غيرَ مُحْتَرِقةٍ، وذلك أنها تُعادُ جديدةً، والأُولى كانَت قد احتَرَقت فأُعِيدَت غيرَ محترقةٍ، فلذلك قيل ﴿غَيْرَهَا﴾؛ لأنها غيرُ الجلودِ التي كانَت لهم في الدنيا التي عصَوُا الله وهي لهم.


(١) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٢) من هنا إلى قوله: ﴿ظِلًّا ظَلِيلًا﴾، في ص ١٦٧، خرم في الأصل.
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "بنى".