للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصَّاحبَ، وهو الإنسانُ يكونُ له خَفِيرٌ (١) ممَّا يخافُ، فهو قولُه: ﴿يُصْحَبُونَ﴾ (٢).

قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال هذا القولَ الذي حَكَيناه عن ابن عباسٍ وأنّ ﴿هُمْ﴾ مِن قولِه: ﴿وَلَا هُمْ﴾. من ذِكْرِ الكُفَّارِ، وأنَّ قولَه: ﴿يُصْحَبُونَ﴾. بمعنى: يُجارُون؛ يُصْحَبون بالجِوارِ؛ لأنَّ العربَ مَحْكِيٌّ عنها: أنا لك جارٌ مِن فلانٍ وصاحبٌ. بمعنَى: أُجِيرُكَ وأَمْنَعُكَ. وهم إذا لم يُصْحَبوا بالجوارِ ولم يكنْ لهم مانِعٌ مِن عذاب اللهِ مع سَخَطِ اللهِ عليهم، فلم يُصْحَبوا بخيرٍ ولم يُنصَرُوا.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (٤٤)﴾.

يقولُ تعالى ذِكرُه: ما لهؤلاءِ المُشرِكين مِن آلهةٍ تَمنَعُهُم من دونِنا، ولا جارٌ يُجيرُهم من عذابِنا - إذا نحن أرَدْنا عذابَهم - فاتَّكَلوا على ذلك، وعَصَوا رُسُلَنا؛ اتِّكَالًا على ذلك، ولَكِنَّا متَّعْناهم بهذه الحياةِ الدُّنيا وآباءَهم مِن قَبلِهم حتى طال عليهم العُمُرُ، وهم على كُفْرِهم مُقِيمُون، لا تَأْتِيهم مِنَّا واعظةٌ مِن عذابٍ، ولا زاجرةٌ مِن عقابٍ على كُفْرِهم وخِلافِهم أمْرَنا، وعبادتِهم الأوثانَ والأصنامَ، فنَسُوا عَهدَنا وجَهِلُوا موقِعَ نِعْمَتِنا عليهم، ولم يعْرِفُوا موضِعَ الشُّكرِ.

وقولُه: ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: أفلا يَرى هؤلاءِ المُشرِكون باللهِ السَّائلُون محمدًا الآياتِ


(١) خفير القوم: مجيرهم الذي يكونون في ضمانه ما داموا في بلاده. التاج (خ ف ر).
(٢) ذكره ابن كثير في تفسيره ٥/ ٣٣٨ عن العوفى عن ابن عباس إلى قوله: "يجارون".