للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكنه خاطَب المؤمنين بذلك لعِلْمِهم بمعناه، وأن عُقُودَ النبيِّ على أمتِه كانت عُقُودَهم؛ لأنهم كانوا لكلِّ أفعالِه فيهم راضِين، ولعُقُودِه عليهم مُسَلِّمين، فصارَ عَقْدُه عليهم كعُقُودِهم على أنفسِهم؛ فلذلك قال: ﴿إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾. لما كان مِن عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ وَعَهْدِهِ.

وقد اختَلَف أهلُ التأويلِ فيمَن بَرِيءَ الله ورسولُه إليه مِن العهدِ الذي كان بينَه وبين رسولِ اللهِ من المشركين، فأَذِنَ له في السِّياحة في الأرضِ أربعةَ أشهرٍ.

فقال بعضُهم: هُم صِنْفان من المشركين:

أحدُهما: كانت مُدَّةُ العهدِ بينَه وبين رسولِ اللَّهِ أقلَّ مِن أربعةِ أشهرٍ، وأُمْهِلَ بالسِّياحة أربعةَ أشهرٍ.

والآخرُ منهما: كانت مُدَّةُ عَهْدِه بغيرِ أَجَلٍ محدودٍ، فقُصِر به على أربعة أشهرٍ ليَرْتادَ لنفسِه، ثم هو حَرْبٌ بعد ذلك للهِ ولرسولِه وللمؤمنين، يُقْتَلُ حيثما أُدْرِكَ ويُؤسَرُ إلا أن يتوبَ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: بَعَث رسولُ اللَّهِ أبا بكرٍ الصِّديقَ، ، أميرًا على الحاجِّ من سنة تسْعٍ؛ ليُقيمَ للناسِ حَجَّهم، والناسُ من أهل الشِّرْكِ على منازلِهم مِن حَجِّهم. فخَرَج أبو بكرٍ ومَن معه من المسلمين، ونَزَلَت سورةُ "براءة" في نَقْضِ (١) ما بين رسولِ اللَّهِ وبينَ المشركين من العهدِ الذي كانوا عليه فيما بينَه وبينَهم: أن لا يُصَدَّ عن البيتِ أَحدٌ


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "بعض".