للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جاءه، وأن لا يُخاف أحدٌ في الشهرِ الحرام. وكان ذلك عهدًا عامًّا بينه وبين الناسِ من أهل الشركِ. وكانت بين (١) ذلك عُهُودٌ بينَ رسولِ اللَّهِ وبين قبائلَ مِن العرب خصائص إلى أجلٍ مُسَمًّى، فَنَزَلَت فيه وفيمَن تَخَلَّف عنه مِن عنه من المنافقين في تَبوكَ، وفى قول من قال منهم، فكَشَف الله فيها سرائر أقوام كانوا يَسْتَخفون بغير ما يُظْهِرون، منهم مَن سُمِّي لنا، ومنهم من لم يُسَمَّ لنا، فقال: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١)﴾. أي لأهل العهد العامِّ من أهلِ الشِّرْكِ من العرب ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾. إلى قوله: ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾. أي: بعد هذه الحَجَّةِ (٢).

وقال آخرون: بل كان إمهالُ اللهِ، ﷿، بسياحة أربعة أشهرٍ، مَن كان مِن المشركين بينَه وبينَ رسول الله ، عهدٌ، فأما مَن لم يكن له من رسولِ اللهِ عهدٌ، فإنما كان أَجَلُه خمسين ليلةً، وذلك عشرون من ذى الحجَّة والمحرَّمُ كلُّه. قالوا: وإنما كان ذلك كذلك؛ لأن أَجَلَ الذين لا عهدَ لهم كان إلى انسلاخ الأشهر الحُرُم، كما قال الله: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾. الآية، قالوا: والنداء بـ "براءةَ"، كان يوم الحجِّ الأكبر، وذلك يومُ النَّحْرِ في قولِ قومٍ، وفى قولِ آخرين يومُ عرفةَ، وذلك خمسون يومًا.

قالوا: وأمَّا تأجيلُ الأشهرِ الأربعةِ، فإنما كان لأهلِ العهدِ بينَهم وبينَ رسولِ اللهِ من يومِ نَزَلَت ﴿بَرَاءَةٌ﴾. قالوا: ونَزَلَت في أوَّلِ شوَّالٍ، فكان انقضاءُ مُدَّةٍ أجلهم انسلاخَ الأشهر الحُرُمِ. وقد كان بعضُ مَن يقولُ هذه المقالة يقولُ: ابتداءُ التَّأجيل كان للفريقين واحدًا - أعنى الذي له العهدُ، والذي لا عهدَ له - غيرَ أن أجلَ


(١) في ف: "من".
(٢) سيرة ابن هشام ٢/ ٥٤٣.