للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: ثم بعثنا من بعدِ نوحٍ رسلًا إلى قومِهم، فأتَوهم ببيِّناتٍ مِن الحُججِ والأدلَّةِ على صدقِهم، وأنهم للهِ رسلٌ، وأن ما يَدعُونهم إليه حقٌّ، ﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾. يقولُ: فما كانوا ليُصَدِّقوا بما جاءَتهم به رسلُهم، بما كَذَّب به قوم نوحٍ ومن قبلهم من الأم الخاليةِ من قبلِهم، ﴿كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: كما طَبَعنا على قلوب أولئك فختَمْنا عليها، فلم يكونوا يَقبَلون من أنبياءِ اللهِ نصيحتَهم، ولا يَستَجيبون لدُعائِهم إيَّاهم إلى ربِّهم، بما اجتَرَموا مِن الذنوبِ واكتسَبوا من الآثامِ، كذلك نطبعُ على قلوبِ من اعتَدَى على ربِّه فتَجاوَزَ ما أمرَه به من توحيدِه، وخالَفَ ما دَعاهم إليه رسلُهم مِن طاعتِه؛ عقوبةً لهم على معصيتِهم ربَّهم مِن هؤلاء الآخرين من بعدِهم.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (٧٥)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: ثم بَعَثْنَا مِن بعدِ هؤلاء الرسلِ الذين أرسَلْناهم من بعدِ نوحٍ إلى قومِهم، موسى وهارونَ ابنى عِمرانَ إلى فرعونَ مصرَ ﴿وَمَلَئِهِ﴾. يعنى: وأشرافِ قومه وسَرَواتِهم (١)، ﴿بِآيَاتِنَا﴾. يقولُ: بأدلَّتِنا على حقيقةِ ما دَعَوهم إليه؛ مِن الإذعانِ للهِ بالعبودةِ، والإقرارِ لهما بالرسالةِ، ﴿فَاسْتَكْبَرُوا﴾. يقولُ: فاسْتكْبروا عن الإقرارِ بما دَعاهم إليه موسى وهارونُ، ﴿وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾. يعني: آثمين بربِّهم بكفرِهم باللهِ تعالى.


(١) فى م: "سادتهم". وسروات الناس: أشرافهم، اللسان (س ر و).