للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بئس (١) ما كانوا يَصْنَعون (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾.

وهذا خبرٌ مِن اللَّهِ تعالى ذكرُه عن جَراءةِ اليهودِ على ربِّهم، ووصْفِهم إياه بما ليس مِن صفتِه؛ تَوْبيخًا لهم بذلك، وتَعْريفًا منه نبيَّه قديمَ جهلِهم واغْترارِهم به، وإنكارِهم جميعَ جَميلِ أياديه عندَهم، وكثرةَ صَفْحِه عنهم وعفوِه عن عظيمِ إجْرامِهم، واحْتجاجًا لنبيِّه محمدٍ بأنه له نبيٌّ مَبْعوثٌ ورسولٌ مُرْسَلٌ؛ أن كانت هذه الأنباءُ التي أنْبَأهم بها كانت مِن خَفِيِّ عُلومِهم ومَكْنونِها التي لا يَعْلَمُها إلا أخْبارُهم وعلماؤُهم دونَ غيرِهم مِن اليهودِ فضلًا عن الأمةِ الأُمِّيَّةِ مِن العربِ الذين لم يَقْرَءوا كتابًا، ولا وَعَوْا مِن علومِ أهلِ الكتابِ علمًا، فأطْلَع اللَّهُ على ذلك نبيَّه محمدًا ، ليُقَرِّرَ عندَهم صدقَه ويَقْطَعَ بذلك حجتَهم.

يقولُ تعالى ذكرُه: وقالتِ اليهودُ مِن بني إسرائيلَ: ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾. يَعْنون: إن خيرَ اللَّهِ مُمْسَكٌ، وعَطاءَه مَحْبوسٌ عن الاتساعِ عليهم. كما قال تعالى ذكرُه في تأديبِ نبيِّه : ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ [الإسراء: ٢٩].

وإنما وصَف تعالى ذكرُه اليدَ بذلك، والمعنى العَطاءُ؛ لأن عطاءَ الناسِ وبذْلَ معروفِهم الغالبَ بأيديهم، فجرَى استعمالُ الناسِ في وصفِ بعضِهم بعضًا إذا وصَفوه بجُودٍ وكرمٍ، أو بيُخْلٍ وشُحٍّ وضِيقٍ، بإضافةِ ما كان مِن ذلك مِن صفةِ


(١) في م: "لبئس".
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١١٦٧ (٦٥٧) من طريق أبي صالح به.