للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قولُه: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾. فإن معناه: فأما الذين اسودَّت وجوهُهم فيقالُ لهم: أَكَفَرْتُم بعد إيمانِكم فَذُوقُوا العذابَ بما كنتم تكفُرُون.

ولا بدَّ لـ "أمّا" من جوابٍ بالفاءِ، فلما أسقط الجوابُ سقَطت الفاءُ معه، وإنما جاز تركُ ذكرِ "فيقالُ"، لدلالةِ ما ذكِر مِن الكلامِ عليه.

وأما معنى قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾. فَإِنَّ أهلَ التأويلِ اختلفوا في مَن عُنى به؛ فقال بعضُهم: عُنى به أهلُ قبلتِنا من المسلمين.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ الآية: لقد كفَر أقوامٌ بعد إيمانِهم كما تسمَعون، ولقد ذُكر لنا أن نبيَّ الله كان يقولُ: "والذي نفس محمدٍ بيده، لَيَرِدَنَّ عليَّ الحوضَ ممن صحِبنى أقوامٌ، حتى إذا رُفعوا إلى ورأيتُهم، اخْتُلِجوا (١) دُونِى، فَلأَقُولَنَّ: ربِّ، أصحابي، أصحابي. فَلَيْقالنَّ: إنك لا تَدْرِى ما أحدَثوا بعدَك".

وقولُه: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ﴾: هؤلاء أهلُ [طاعة الله] (٢) والوفاء بعهدِ الله، قال الله ﷿: ﴿فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ ُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (٣).

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المفضلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ


(١) اختلجوا: اجتذبوا واقتطعوا. التاج (خ ل ج).
(٢) في س: "الطاعة".
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٧٣٠ (٣٩٦٠) من طريق يزيد به، مقتصرًا على آخره. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٦٣ إلى المصنف وعبد بن حميد. دون المرفوع. والمرفوع أخرجه البخارى (٦٥٧٦)، ومسلم (٢٢٩٧) من حديث ابن مسعود.