للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من قُدْرتى على إماتةِ مَن هرَب من الموتِ في ساعةٍ واحدةٍ وهم ألوفٌ، وإحيائى إياهم بعدَ ذلك، وتَمْليكى طالوتَ أمرَ بنى إسرائيلَ، بعد إذ كان سقَّاءً أو دَبَّاغًا من غيرِ أهلِ بيتِ المملكةِ، وسلبى ذلك إياه بمعصيته أمْرى، وصَرْفى مُلْكَه إلى داودَ لطاعتِه إياىَ، ونُصْرَتى أصحابَ طالوتَ مع قِلَّةِ عددِهم وضَعفِ شوكتِهم، على جالوتَ وجندِه مع كثرةِ عددِهم وشدةِ بَطشِهم - حُجَجى (١) على مَن جَحَد نِعْمَتى، وخالَف أمرى، وكفَر برسولى من أهلِ الكتابَين التوراةِ والإنجيلِ، العالمين بما اقتَصَصْتُ عليك من الأنباءِ الخَفيَّةِ، التي يعلَمون أنها من عندى لم تَتَخرَّصْها، ولم تَتقوَّلْها أنت يا محمدُ؛ لأنك أُمِّيٌّ ولستَ ممن قرَأ الكتبَ فيَلْتبِسَ عليهم أمرُك ويَدَّعوا أنك قرأتَ ذلك فعَلِمتَه من بعضِ أسفارِهم، ولكنه حُجَجى عليهم أتلُوها عليك يا محمدُ بالحقِّ اليقينِ كما كان، لا زيادةَ فيه ولا تحريفَ، ولا تغييرَ شيءٍ منه عما كان، ﴿وَإِنَّكَ﴾ يا محمدُ ﴿لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾. يقولُ: إنك لَمُرسلٌ مُتَّبِعٌ في طاعتى وإيثارِ مَرْضاتى على هَواك، فسَالكٌ في ذلك من أمرِك سبيلَ مَن قبلَكَ من رُسلى الذين أقاموا على أمرى، وآثَروا رِضاى على هواهم، ولم تُغَيِّرْهم الأهواءُ ومَطامعُ الدنيا، كما غيَّر طالوتَ هواه وإيثارُه مُلْكَه على ما عندى لأهلِ وِلايتى، ولكنَّك مُؤثِرٌ أمرى كما آثَره المُرسلون الذين قبلَك.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾.

يعنى تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ﴾. الذين قصَّ اللهُ قَصَصَهم في هذه السورةِ؛ كموسى بن عِمرانَ، وإبراهيمَ، وإسماعيلَ، وإسحاقَ، ويعقوبَ،


(١) في م: "حجج".