للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَخْبَر أَنَّه أَعْطَى كُلَّ شيءٍ خلقه، ولا يُعْطِى المُعْطَى نفسه، بل إنما يُعْطَى ما هو غيرُه؛ لأن العطية تَقْتَضِى المُعْطى والمُعْطَى والعطية، ولا تكون العطية هي المُعْطى، وإذا لم تكن هي هو، وكانت غيره، وكانت صورة كلِّ خلقٍ بعض أجزائه، كان معلومًا أنه إذا قيل: أعْطَى الإنسان صورته (١). أنما يعنى أنه أعطى بعض المعانى التي (٢) به مع غيرِه دُعِى إنسانًا، فكأنَّ قائله قال: أعْطَى كلَّ خلقٍ نفسه. وليس ذلك إذا وجِّه إليه الكلام بالمعروفِ مِن معاني العطية، وإن كان قد يَحْتَمِلُه الكلام.

فإذا كان ذلك كذلك، فالأصوبُ من معانيه أن يكونَ مُوَجَّهًا إلى أن كلُّ شيءٍ أعْطاه ربُّه مثلَ خلقِه، فزوَّجه به، ثم هداه (٣) لما يشاءُ (٤). ثم ترك ذكر "مثل"، وقيل: ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾. كما يقالُ: عبدُ اللهِ مثلُ الأسد. ثم يَحْذِفُ "مثل"، فيقولُ: عبدُ اللهِ الأَسدُ.

القولُ في تأويل قوله عزَّ ذكرُه: ﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (٥١) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (٥٢)

يقول تعالى ذكره: قال فرعون لموسى، إذ وصف موسى ربَّه بما وصفه به من عظيم السلطان، وكثرة الإنعام على خلقه والإفضال: فما شأن الأمم الخالية من قبلنا لم تُقِرَّ بما تقولُ، ولم تُصَدِّقْ بما تَدْعُو إليه، ولم تُخلص له العبادة، ولكنها عبدَت الآلهة والأوثانَ مِن دونِه، إن كان الأمر على ما تَصِفُ مِن أن الأشياءَ كلَّها خلقُه، وأنها في نعمِه تَتَقَلَّبُ، وفى مِننِه تَتَصَرَّفُ؟

فأجابه موسى فقال: علم هذه الأمم التي مضت من قبلنا فيما فعلت ذلك، عند ربي، ﴿فِي


(١) بعده في: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "أنه".
(٢) في ص، ت ١: "الذي".
(٣) في ت ٢: "بيناه".
(٤) في م: "بينا"، وفى ف: "شاء".