للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (٦٤)﴾.

قال أبو جعفرٍ : يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ولو أن هؤلاء المنافقين الذين وصَف صفتَهم في هاتين الآيتين، الذين إذا دُعُوا إلى حكمِ اللهِ وحكمِ رسولِه صَدُّوا صدودًا ﴿إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ باكتسابِهم (١) العظيمَ مِن الإثمِ في احتكامِهم إلى الطاغوتِ، وصدودِهم عن كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِه إذا دُعُوا إليها، ﴿جَاءُوكَ﴾ يا محمدُ حينَ فعَلوا ما فعَلوا من مصيرِهم إلى الطاغوتِ راضين بحكمِه دونَ حكمِك، جاءوك تائبين مُنيبين، فسأَلوا الله أن يَصْفَحَ لهم عن عقوبةِ ذنبِهم بتغطيتِه عليهم (٢)، وسأَل لهم الله رسولُه مثلَ ذلك. وذلك هو معنى قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ﴾.

وأما قولُه: ﴿لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾. فإنه يقولُ: لو كانوا فعَلوا ذلك فتابوا من ذنبِهم (٣)، ﴿لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا﴾. يَقُولُ: راجعًا لهم مما يَكْرَهون إلى ما يُحِبون، ﴿رَحِيمًا﴾ بهم في تركِه عقوبتَهم على ذنبِهم الذي تابوا منه.

وقال مجاهدٌ: عُنِى بذلك اليهوديُّ والمسلمُ اللذان تحاكَما إلى كعبِ بن الأشرفِ.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: حدَّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ: ﴿ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾. إلى قولِه: ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. قال: هو الرجلُ اليهوديُّ والرجلُ المسلمُ اللذان تحاكَما إلى كعبِ بن


(١) بعده في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "إياها".
(٢) في الأصل: "عليه".
(٣) في م: "ذنوبهم".