للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو جعفرٍ : يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ولم تُرسل يا محمدُ رسولًا إلا فَرَضْتُ طاعتَه على مَن أَرْسَلْتُه إليه. يقولُ جلَّ ثناؤُه: فأنتَ يا محمدُ مِن الرسلِ الذين فَرَضْتُ طاعتَهم على مَن أرسَلْتُه إليه.

وإنما هذا توبيخٌ مِن الله جل ثناؤُه للمُحْتَكِمين مِن المنافقين، الذين كانوا يَزْعُمون أنهم يُؤْمنون بما أُنْزِل إلى النبيِّ ، فيما اختصموا فيه إلى الطاغوتِ، صُدُودًا عن رسولِ اللهِ يَقُولُ لهم تعالى ذكرُه: ما أَرْسَلْتُ رسولًا إِلا فَرَضْتُ طاعتَه على مَن أَرْسَلْتُه إليه، فمحمدٌ مِن أولئك الرسلِ، فمن ترَك طاعتَه والرضا بحكمِه واحتَكَم إلى الطاغوتِ، فقد خالَف أمْرِى وضيَّع فرْضِى. ثم أخبرَ جلَّ ثناؤُه أن مَن أطاع رُسُلَه، فإنما يُطيعُهم بإذنِه. يعنى: بتقديرِه ذلك له (١)، وقضائه السابق في علمه ومشيئتِه.

كما حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: نا عيسى، وحدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، وحدَّثني المثنى، قال: ثنا سويدُ بنُ نصرٍ، قال: أخبَرنا ابن المباركِ، عن شبلٍ، جميعًا عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه: ﴿إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾: واجبٌ لهم أن يطيعَهم مِن شاء الله، ولا يطيعَهم أحدٌ إلا بإذنِ اللهِ (٢)

وإنما هذا تعريضٌ مِن الله تعالى ذكرُه لهؤلاء المنافقين، بأن تَرْكَهم طاعةَ اللهِ وطاعةَ رسولِه والرضَا بحكِمه، إنما هو للسابقِ (٣) مِن خِذْلانِه وغلبة الشَّقاءِ عليهم، ولولا ذلك لكانوا ممن أذِن اللهِ له في الرضَا بحكمِه، والمسارعةِ إلى طاعتِه.


(١) سقط مِن: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٢) تفسير مجاهد ص ٢٨٥، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ١٨٠ إلى ابن المنذر.
(٣) في الأصل: "السابق".