للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان بعضُهم يقولُ: إنما أُرِيد بقولِه: ﴿لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾. التَّوْسِعةُ، كما يقولُ القائلُ: هو في خيرٍ مِن قَرْنِه (١) إلى قدمِه (٢).

وتأويلُ أهلِ التأويلِ بخلافِ ما ذكَرْنا من هذا القولِ، وكفَى بذلك شاهدًا على فَسادِه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (٦٦)﴾.

يعني تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿مِنْهُمْ أُمَّةٌ﴾: منهم جَماعةٌ، ﴿مُقْتَصِدَةٌ﴾.

يقولُ: مُقْتَصِدةٌ في القولِ في عيسى ابن مريمَ، قائلةٌ فيه الحقَّ: إنه رسولُ اللهِ وكلمتُه ألقاها إلى مريم ورُوحٌ منه، لا غاليةٌ قائلةٌ: إنه ابن اللهِ تعالى اللهُ عما قالوا مِن ذلك، ولا مُقَصِّرةٌ قائلةٌ: هو لغيرِ رَشْدةٍ (٣). ﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾ يعني: من بني إسرائيلَ مِن أهلِ الكتابِ؛ اليهودِ والنصارى، ﴿سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾. يقولُ: كثيرٌ منهم سيئٌ عملُهم، وذلك أنهم يَكْفُرون باللهِ؛ فتَكَذِّبُ النصارى بمحمدٍ ، وتَزْعُمُ أن المسيحَ ابن اللهِ، وتُكَذِّبُ اليهودُ بعيسى وبمحمدٍ صلى اللهُ عليهما، فقال اللهُ تعالى ذكرُه فيهم ذامًّا لهم: ﴿سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾، في ذلك من فعلِهم.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مُجاهدٍ: ﴿مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ﴾: وهم مُسْلمةُ أهلِ الكتابِ، ﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا


(١) في م: "فرقه". والقرن: حد الرأس وجانبه.
(٢) ينظر معاني القرآن للفراء ١/ ٣١٥.
(٣) لغير رشدة: لغير نكاح صحيح.