للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١) (٣٢)﴾.

وهذا تكذيبٌ مِن اللهِ تعالى ذكرُه هؤلاء الكفارَ المُنْكِرِين البعثَ بعدَ المماتِ في قولِهم: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه مُكَذِّبًا لهم في قيلِهم ذلك: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ أَيُّها الناسُ، ﴿إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾. يقولُ: ما باغى لذّاتِ الحياةِ التي أدْنَيْتُ لكم، وقرَّبْتُ منكم في داركِم هذه، ونعيمَها وسرورَها فيها، والمُلتذُّ (٢) بها، والمنافِسُ عليها - إلا في لعبٍ ولهوٍ؛ لأنها عما قليلٍ تَزُولُ عن المُسْتَمْتِع بها، والمُلْتَذِّ فيها بمَلاذِّها، أو تَأْتِيه الأيامُ بفَجائعِها وصُروفِها، فتُمِرُّ (٣) عليه وتَكْدُرُ (٤)، كاللاعبِ اللاهى الذي يُسْرِعُ اضمِحْلالُ لهوِه ولعبِه عنه، ثم يُعْقِبه منه ندمًا، ويُورثه منه تَرَحًا (٥). يقولُ: لا تَغْتَرُّوا أَيُّها الناسُ بها، فإن المُغْترَّ بها عما قليلٍ يَنْدَمُ.

﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾. يقولُ: ولَلعملُ بطاعتِه، والاستعدادُ للدارِ الآخرةِ بالصالحِ مِن الأعمالِ التي تَبْقَى منافعُها لأهلِها، ويَدُومُ سرورُ أهلِها فيها، خيرٌ مِن الدارِ التي تَفْنَى وشيكًا (٦)، فلا يَبْقَى لعُمَّالها فيها سُرورٌ، ولا يَدومُ لهم فيها نَعيمٌ. ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾. يقولُ: للذين يَخْشَوْنَ اللَّهَ، فيَتَّقُونه بطاعتِه، واجتنابِ مَعاصيه، والمسارعةِ إلى رضاه، ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾. يقولُ: أَفَلا يَعْقِلُ هؤلاء المكذِّبون بالبعثِ حقيقةَ ما نُخْبِرُهم به مِن أن الحياةَ الدنيا لعبٌ ولهوٌ، وهم


(١) في س: "يعقلون". وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي وحمزة، وعاصم في رواية أبي بكر. ينظر السبعة لابن مجاهد ص ٢٥٦.
(٢) في م: "المتلذذ".
(٣) تمر: تصير مرة بعد حلاوتها.
(٤) في م: "تكر".
(٥) الترح: الحزن.
(٦) سقط من: م.