للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَلَكوا - في الآخرةِ، مع الخِزْيِ الذي جازيتُهم به في الدنيا، والعقوبةِ التي عاقبتُهم بها فيها، ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾. يعني: عذابُ جَهَنَّمَ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)﴾.

اخْتَلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك: إلا الذين تابوا مِن شركِهم، ومُناصَبَتِهم الحربَ لله ولرسولِه، والسعيِ في الأرضِ بالفسادِ بالإسلامِ، والدخولِ في الإيمانِ من قبلِ قدرةِ المؤمنين عليهم، فإنه لا سبيلَ للمؤمنين عليهم بشيءٍ من العقوباتِ التي جعَلَها اللهُ جزاءً لمن حارَبه ورسولَه، وسَعَى في الأرض فسادًا؛ من قتلٍ أو صلبٍ أو قطعِ يدٍ ورجلٍ مِن خلافٍ أو نفيٍ من الأرضِ، فلا تِباعَةَ (١) قِبَلَه لأحدٍ فيما كان أصاب في حالِ كفرِه وحربِه المؤمنين، في مالٍ ولا دمٍ ولا حرمةٍ. قالوا: فأما المسلمُ إذا حارب المسلمين أو المُعاهَدِين، وأتَى بعضَ ما يجبُ عليه العقوبةُ، فلن تَضَعَ توبتُه عنه عقوبةَ ذنبِه، بل توبتُه فيما بينَه وبينَ اللهِ، وعلى الإمامِ إقامةُ الحدِّ الذي أوْجَبَه اللَّهُ عليه، وأَخْذُه بحقوقِ الناسِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ واضحٍ، عن الحسين بنُ واقدٍ، عن يزيدَ النَّحْوِى، عن عِكرمةَ والحسنِ البصريِّ، قالا قوله: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ﴾ إلى قوله: ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾: نَزَلتْ هذه الآيةُ في المشركين، [فمَن تاب] (٢) منهم مِن قبلِ أن يُقْدَرَ عليه، لم يكُنْ عليه سبيلٌ، وليست تُحرِزُ هذه الآيةُ الرجلَ المسلمَ مِن الحدِّ إن قتَل أو أَفْسَد في الأرضِ، أو حارب الله ورسولَه، ثم لَحِق بالكفارِ قبلَ أن


(١) التَّبِعَة والتِّباعة: ما اتبعت به صاحبك من ظلامة ونحوها، وهما أيضا ما فيه إثم يتبع. اللسان (ت ب ع).
(٢) - في ص، ت ١،: "في من مات".