كذلك، وكان غيرَ جائزٍ أن يكونَ جلَّ ثناؤُه من صفتِه الغرورُ لعبادِهِ صحَّ ووجَب أن كلَّ ما أطمَعَهم فيه من طمَعٍ على طاعتِه، أو على فعلٍ من الأفعالِ، أو أمرٍ أو نهيٍ، أمَرهم به أو نهاهم عنه، فإنَّه موفٍّ لهم به، وإنه منه كالعِدَةِ التي لا يُخْلفُ الوفاءُ بها، قالوا:"عسى" و "لعلَّ" من اللَّهِ واجبةٌ.
وتأويلُ الكلامِ: أقِمِ الصلاةَ المفروضةَ يا محمدُ في هذه الأوقاتِ التي أمَرتُك بإقامتِها فيها، ومن الليلِ فتهجَّدْ فرضًا فرَضتُه عليك، لعلَّ ربَّك أن يبعَثَك يومَ القيامةِ مقامًا تقومُ فيه محمودًا تُحمَدُه، وتُغبطُ فيه.
ثم اختلَف أهلُ التأويلِ في معنى ذلك المَقامِ المحمودِ؛ فقال أكثرُ أهلِ العلمِ: ذلك هو المَقامُ الذي هو يقومُه ﷺ يومَ القيامةِ للشَّفاعةِ للناسِ ليُريحَهم ربُّهم من عظيمِ ما هم فيه مِن شدَّةِ ذلك اليومِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن صِلةَ بن زُفَرَ، عن حُذيفةَ، قال: يُجمَعُ الناسُ في صعيدٍ واحدٍ، فيسمِعُهم الدَّاعِى، وينفُذُهم البصرُ، حُفاةً عراةً كما خُلِقوا، قيامًا لا تَكَلَّمُ نفسٌ إِلَّا بإذنِه، ينادَى: يا محمدُ. فيقولُ:"لبيَّكَ وسعدَيك، والخيرُ في يَديك، والشرُّ ليس إليك، والمَهدِيُّ من هَدَيت، عبدُك بين يدَيْك، وبك وإليك، لا مَلْجَأَ ولا منجا مِنكَ إلا إليك، تبارَكتَ وتعالَيْت، سبحانَك ربَّ البيتِ". فهذا المقَامُ المحمودُ الذي ذكَره اللَّهُ (١).