للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (٢٥) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦)﴾.

اختلَفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ﴾؛ فقرَأ بعضُ المكيِّين وبعضُ المدنيِّين والكوفيِّين: (ألَا) بالتخفيفِ (١)، بمعنى: ألَا يا هؤلاء اسجُدوا. فأضمَروا "هؤلاء" اكتفاءً بدلالةِ "يا" عليها.

وذكر بعضُهم (٢) سماعًا من العربِ: ألَا يا ارْحَمْنَا، أَلَا يا تَصَدَّقْ علينا.

واستشهدَ أيضًا ببيتِ الأخطلِ (٣):

ألا يا اسْلَمي يا هندُ هندَ بنى بدرِ … وإن كان حيَّانا عِدًى آخِرَ الدهرِ

فعلى هذه القراءةِ، اسجُدوا في هذا الموضعِ جزمٌ، ولا موضع لقولِه: "ألَا" في الإعرابِ.

وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ المدينةِ والكوفةِ والبصرةِ: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا﴾ بتشديدِ ﴿أَلَّا﴾ (٤)، بمعنى: وزيَّن لهم الشيطانُ أعمالَهم لئلَّا يَسْجُدُوا اللهِ. ﴿أَلَّا﴾ في موضعِ نصبٍ، لما ذكَرتُ من معناه أنه "لئلا"، ﴿يَسْجُدُوا﴾ في موضعِ نصبٍ بـ"أن".

والصوابُ من القولِ في ذلك أنهما قراءتان مُستفِيضَتان في قرأةِ الأمصارِ، قد قرَأ بكلِّ واحدةٍ منهما علماءُ من القَرَأةِ، مع صحةِ معنيَيْهما.


(١) هي قراءة أبى جعفر والكسائي ورويس عن يعقوب. النشر ٢/ ٢٥٣.
(٢) هو الفراء في معاني القرآن ٢/ ٢٩٠ وفيه: ألا يا ارحمانا، ألا يا تصدقا علينا. قال: يعنيني وزميلي.
(٣) شرح ديوانه ص ١٥٠.
(٤) وهى قراءة نافع وابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة وروح وخلف. ينظر النشر ٢/ ٢٥٣.