للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى ذكرُه: ولولا السابقُ مِن اللهِ في أنه لا يُعَجِّلُ لهم العذابَ في الدنيا، وأنه مضَى مِن قيلهِ أنهم مُؤَخَّرون بالعقوبة إلى قيامِ الساعةِ، لَفُرِغ من الحكمِ بينَكم وبينَهم، بتعجيلِنا العذابَ لهم في الدنيا، ولكن لهم في الآخرةِ العذابُ الأليمُ، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. يقولُ: وإن الكافرين باللهِ لهم يومَ القيامةِ عذابٌ مُؤلِمٌ مُوجِعٌ.

القول في تأويلِ قوله تعالى: ﴿تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : تَرَى يا محمدُ الكافرين باللهِ يوم القيامةِ و ﴿مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا﴾. يقولُ: وَجِلين خائفين من عقابِ اللهِ على ما كسَبوا في الدنيا مِن أعمالِهم الخبيثةِ، ﴿وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾. يقولُ: والذي هم مُشْفِقون منه مِن عذابِ اللهِ نازلٌ بهم، وهم ذائِقوه لا محالة.

وقولُه: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: والذين آمنوا باللهِ وأطاعوه فيما أمَر ونهى في الدنيا في رَوْضاتِ البساتينِ في الآخرةِ. ويعنى بالروضاتِ: جمع رَوْضة، وهى المكانُ الذي يَكْثُرُ نَبْتُه، ولا تقولُ العربُ لمواضعِ الأشجارِ: رياضٌ. ومنه قولُ أبى النَّجْمِ (١):

والنِّغْضُ مِثلَ الأَجْرب المُدَجَّل … حدائقَ الرَّوْضِ التي لم تُحْلَلِ (٢)


(١) ديوانه ص ١٧٨.
(٢) النِّغض والنَّغض: الظليم، وهو ذكر النعام، والمدجل: البعير المطلى بالقطران ولم تحلل: أي لم توطأ ولم ترعها الحيوانات فيقل نبتها. ينظر اللسان (ن غ ض، د ج ل، ح ل ل).