للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه الآيةِ أنّ قِيلَهُم: إن اللهَ حرَّم هذا. من الكذبِ الذي يأمرُهم به الشيطانُ، وأنه قد أحلَّه لهم وطَيَّبه، ولم يحرِّمْ أكلَه عليهم، ولَكِنَّهم يقولونَ على اللهِ ما لا يعلمونَ حقيقتَه، طاعةً منهم للشيطانِ، واتباعًا منهم خُطواتِه، واقتفاءً منهم آثارَ أسلافِهم الضُّلَّالِ، وآبائِهم الجهّالِ، الذين كانوا باللهِ وبما أنزَل على رسلِه جُهّالًا، وعن الحقِّ ومنهاجِه ضُلَّالًا، وانصرافًا (١) منهم عمّا أنزلَ الله في كتابِه على رسولِه ، فقال جلّ ثناؤه: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (١٧٠)﴾.

في هذه الآيةِ وجهان من التأويلِ؛ أحدُهما، أن تكونَ الهاءُ والميمُ من قولِه: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ﴾ عائدةً على ﴿مَن﴾ في قولِه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا﴾. فيكونُ معنى الكلامِ: ومن الناسِ مَن يتخذُ من دونِ اللهِ أندادًا، وإذا قيلَ لهم: اتّبعوا ما أنزَلَ اللهُ، قالوا: بلْ نتبعُ ما ألفينا عليه آباءَنا. والآخرُ، أن تكونَ الهاءُ والميمُ اللتان في قولِه: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ﴾ من ذكرِ "الناسِ" الذين في قولِه: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ﴾ فيكونُ ذلك انصرافًا من الخطابِ إلى الخبرِ عن الغائبِ، كما قال جلّ ثناؤه: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ [يونس: ٢٢].

وأشبهُ عندِي وأوْلَى بالآيةِ أن تكونَ الهاءُ والميمُ في ﴿لَهُمُ﴾ من ذكرِ


(١) في م: "إسرافا". وفي ت ١، ت ٢، ت ٣: "إصدافا".