للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغيرُ جائزٍ في قولِه: ﴿تَشَابَهَتْ﴾. التَّثْقِيلُ؛ لأن التاءَ في أوَّلِها زائدةٌ، أُدْخِلت لقولِه: "تفاعَل". فإن ثُقِّلت صارت تاءَيْن، ولا يَجوزُ إدْخالُ تاءَيْن زائِدَتين علامةً لمعنًى واحدٍ، وإنما يَجوزُ ذلك في الاستقبالِ، لاختلافِ معنَى دُخولِهما؛ لأن إحداهما تَدْخُلُ عَلَمًا للاستقبالِ، والأُخْرَى منهما التى في "تفاعَل"، ثم تُدْغمُ إحداهما في الأخرى فتُثَقَّلُ، فيقالُ: تَشَّابَهُ بعدَ اليومِ قلوبُنا.

فمعنَى الآيةِ: وقالت النصارى الجُهَّالُ باللهِ وبعَظمتِه: هَلَّا يُكَلمُنا اللهُ ربُّنا، كما كَلَّم أنبياءَه ورسلَه، أو تَجيئُنا علامةٌ مِن اللهِ نَعْرِفُ بها صدقَ ما نحن عليه، على ما نَسْألُ ونُريدُ. قال اللهُ جلَّ ثناؤُه: فكما قال هؤلاء الجَهَلةُ مِن النصارى وَتمنَّوا على ربِّهم، قال مَن قَبْلَهم مِن اليهودِ، فسألوا ربَّهم أن يُرِيَهم نفسَه جَهْرةً، ويُؤْتِيَهم آيةً، واحْتَكموا عليه وعلى رسلِه، وتَمنَّوا الأمانِىَّ، فاشْتَبهت قلوبُ اليهودِ والنصارى في تَمرُّدِهم على اللهِ، وقِلَّةِ مَعرِفتِهم بعظمتِه، وجُرْأتِهم على أنبيائِه ورسلِه، كما اشْتَبهت أقوالُهم التى قالوها.

القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: ﴿قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (١١٨)﴾.

يعنى بقولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾: قد بيَّنَّا العلاماتِ التى مِن أجلِها غَضِبَ اللهُ على اليهودِ، وجعَل منهم القِردةَ والخنازيرَ، وأعدَّ لهم العذابَ المُهينَ في معادِهم، والتى مِن أجلِها أخْزَى اللهُ النصارى في الدنيا، وأعدَّ لهم الخزىَ والعذابَ الأليمَ في الآخرةِ، والتى مِن أجلِها جعَل سُكَّانَ الجِنانِ الذين أسْلَموا وجوهَهم للهِ وهم محسنون - في هذه السورةِ وغيرِها، فأُعْلِموا الأسبابَ التى مِن أجلِها استحقَّ كلُّ فريقٍ منهم مِن اللهِ ما فعَل به مِن ذلك. وخصَّ اللهُ بذلك القومَ الذين يُوقِنون؛ لأنهم هم أهلُ التَّثبُّتِ في الأمورِ، والطالبون معرفةَ حقائقِ الأشياءِ على يقينٍ وصحةٍ. فأخْبَر اللهُ جلَّ ثناؤُه أنه بَيَّن لمَن كانت هذه الصفةُ