للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المدينةِ: (بخالِصَةِ ذِكرَى الدَّارِ) (١). بإضافةِ "خالصةِ" إلى "ذكرى الدارِ". بمعنى أنهم أُخلِصوا بخالصةِ (٢) الذكرى، و"الذكرى" إذا قُرِئ كذلك غيرُ "الخالصةِ"، كما "المتكبرُ" إذا قُرِئ: ﴿عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ﴾ [غافر: ٣٥]. بإضافةِ "القلبِ" إلى "المتكبرِ"، هو الذي له القلبُ وليس بالقلبِ. وقرَأ ذلك عامَّةُ قرأةِ العراقِ: ﴿بِخَالِصَةِ ذِكْرَى الدَّارِ﴾. بتنوينِ قولِه: "خالصةٍ"، وردِّ ﴿ذِكْرَى﴾ عليها (٣). على أن الدارَ هي الخالصةُ، فردُّوا "الذكرى" وهي معرفةٌ على "خالصةٍ" وهى نكرةٌ، كما قيل: ﴿لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥) جَهَنَّمَ﴾ [ص: ٥٥، ٥٦]. فردَّ "جهنمَ" وهى معرفةٌ على "المآب" وهى نكرةٌ (٤).

والصوابُ من القولِ في ذلك عندِى أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأةِ الأمصارِ، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ.

وقد اختلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: معناه: إِنَّا أخلَصْناهم بخالصةٍ هي ذكرى الدارِ، أي أنهم كانوا يُذَكِّرون الناسَ الدارَ الآخرةَ، ويَدْعُونهم إلى طاعةِ اللهِ، والعملِ للدارِ الآخرةِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾. قال: بهذه أخلَصَهم اللهُ، كانوا يَدْعون إلى الآخرةِ وإلى اللهِ (٥).

وقال آخرون: معنى ذلك أنه أخلَصهم بعملِهم للآخرةِ وذِكْرِهم لها.


(١) وهى قراءة نافع وابن عامر في رواية هشام. التيسير ص ١٥٢.
(٢) في ت ١: "الخالصة".
(٣) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر - في رواية ابن ذكوان - وعاصم وحمزة والكسائي. المصدر السابق.
(٤) ينظر معاني القرآن ٢/ ٤٠٧.
(٥) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ١٦٨ عن معمر عن قتادة.