للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾. قال: الأيدى: القوةُ في طاعةِ اللهِ. ﴿وَالْأَبْصَارِ﴾: البصرِ بعقولِهم في دينِهم (١).

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ في قولِه: ﴿أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾. قال: الأيدى: القوةُ، والأبصارُ: العقولُ.

فإن قال لنا قائلٌ: وما الأيدى من القوةِ، والأيدى إنما هي جمعُ يدٍ، واليدُ جارحةٌ؟ وما العقولُ من الأبصارِ، وإنما الأبصارُ جمعُ بصرٍ؟ قيل: إن ذلك مَثَلٌ. وذلك أن باليدِ البطشَ، وبالبطشِ تُعرَفُ قوَّةُ القَوِيِّ؛ فلذلك قيل للقويِّ: ذو يَدٍ. وأما البصرُ فإنه عنَى به بصرَ القلبِ، وبه تُنالُ معرفةُ الأشياءِ، فلذلك قيل للرجلِ العالمِ بالشيءِ: بصيرٌ به. وقد يُمكِنُ أن يكونَ عنَى بقولِه: ﴿أُولِي الْأَيْدِي﴾: أولى الأيدى عندَ اللهِ بالأعمالِ الصالحةِ. فجعَل اللهُ أعمالَهم الصالحةَ التي عمِلوها في الدنيا أيديًا لهم عندَ اللهِ، تمثيلًا لها باليدِ تكونُ عندَ (٢) الرجلِ لآخرَ.

وقد ذُكِر عن عبدِ اللهِ أنه كان يقرؤُه: (أُولى الأَيدِ) بغيرِ ياءٍ (٣). وقد يحتمِلُ أن يكونَ ذلك من التأييدِ، وأن يكونَ بمعنى الأيدى، ولكنه أسقَط منه الياءَ، كما قيل: ﴿يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ﴾ [ق: ٤١]. بحذفِ الياءِ (٤).

وقولُه: ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: إنا خصَصْناهم بخاصةٍ ذكرى الدارِ.

واختلَفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾؛ فقرَأته عامَّةُ قرأةِ


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ٧/ ٦٧.
(٢) في ص، ت ١: "قبل".
(٣) البحر المحيط ٧/ ٤٠٢.
(٤) ينظر معاني القرآن ٢/ ٤٠٦، ٤٠٧.