للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القرى لأنها أولُ بيتٍ وُضِع بها (١).

وقد بيَّنا فيما مضَى العلةَ التي مِن أجلِها سُمِّيَت مكةُ أمَّ القرى، بما أغْنَى عن إعادِته في هذا الموضعِ (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٩٢)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: ومَن كان يُؤْمِنُ بقيامِ الساعةِ والمَعادِ في الآخرة إلى اللهِ، ويُصَدِّقُ بالثوابِ والعقابِ، فإنه يُؤْمِنُ بهذا الكتابِ الذي أَنْزَلْناه إليك يا محمدُ، ويُصَدِّقُ به، ويُقِرُّ بأن اللهَ أَنْزَلَه، ويُحافِظُ على الصلوات المكتوباتِ التي أَمَرَه اللهُ بإقامتِها؛ لأنه مُنْذِرُ مَن بلَغه وعيدُ اللهِ على الكفرِ به، وعلى مَعاصِيه، وإنما يَجْحَدُ به وبما فيه ويُكَذِّبُ، أهلُ التكذيبِ بالمَعادِ، والجُحود لقيامِ الساعةِ؛ لأنه لا يَرْجُو مِن اللهِ إن عمِل بما فيه ثوابًا، ولا يَخافُ إن لم يَجْتَنِبْ ما يَأْمُرُه باجتنابِه عقابًا.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾.

يعني جلَّ ذكرُه بقولِه: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾: ومَن أخطأُ قولًا، وأَجْهَلُ فعلًا ﴿مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ يعني: ممَّن اخْتَلَق على اللهِ كَذِبًا، فادَّعَى عليه أنه بعثه نبيًّا، وأرْسَله نَذِيرًا، وهو في دَعْواه مُبْطِلٌ، وفي قيلِه كاذبٌ. وهذا تسْفيهٌ من الله لمشركي العربِ، وتجهيلٌ منه لهم في معارضةِ عبدِ اللهِ بنِ سعدِ ابنِ أبي سَرْحٍ، والحنفيِّ مُسَيْلِمةَ، لنبيِّ اللهِ ، بدعوى أحدِهما النبوةَ، ودعوى الآخَرِ أنه قد جاء بمثلِ ما جاء به رسولُ اللهِ ، ونُفيٌ منه عن نبيِّه


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٣٤٥ (٧٦١٦) من طريق أحمد بن المفضل به.
(٢) ينظر ما تقدم في ١/ ١٠٦.