للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا معنى لتوجيه من وجَّه قوله: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾، إلى أنه وعْدُ الآمر بتغيير بعض ما نهى الله عنه دونَ بعضٍ، أو بعض ما أمر به دونَ بعضٍ. فإن كان الذي وجَّه معنى ذلك إلى الخصاء والوَشْم دونَ غيرِه، إنما فعل ذلك؛ لأن معناه كان عنده أنه عنى تغيير الأجسام، فإنَّ في قوله جلَّ ثناؤه إخبارًا عن قيل الشيطان: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ﴾ ما يُنبئ أن معنى ذلك على غير ما ذهب إليه؛ لأن تبتيك آذانِ الأنعام من تغيير خلق الله الذي هو أجسامٌ، وقد مضى الخبرُ عنه أنه وَعْدُ الآمر بتغيير خلقِ اللهِ مِن الأجسام مفسَّرًا، فلا وجهَ لإعادة الخبر عنه به مُجملًا، إذ كان الفصيح من كلام العرب أن يُتَرْجَمَ عن المجمل من الكلام بالمفسَّرِ، وبالخاصِّ عن العامِّ، دونَ الترجمة عن المفسَّرِ بالمجمل، وبالعامِّ عن الخاصِّ. وتوجيه كتاب الله إلى الأفصح من الكلام أولى من توجيهه إلى غيره ما وُجِدَ إليه سبيلٌ.

القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (١٢٠)

قال أبو جعفرٍ : وهذا خبرٌ من الله جلَّ ثناؤه عن حال نصيب الشيطانِ المفروض (١) الذين شاقُّوا الله ورسوله من بعد ما تبيَّن لهم الهدى، يقولُ الله: ومَن يتَّبع الشيطان فيُطِعْه في معصية الله وخلافِ أمره، ويُواله فيَتَّخِذه وليًّا لنفسه ونصيرًا دونَ اللهِ، ﴿فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا﴾ يَقُولُ: فقد هلك هلاكًا، وبخس نفسه حظَّها فَأَوْبَقَها بَخْسًا مبينًا يبيِّن عن عطَبِه وهلاكه؛ لأن الشيطان لا تملكُ له نصرًا من دونِ اللهِ، إذا عاقبه على معصيته إياه وخلافه أمره، بل يَخْذُلُه عند


(١) بعده في م: "من".