وأَوْلى هذين القولينِ بتأويلِ الآيةِ القولُ الأوّلُ، وهو قولُ مَن قال: كذلك كنتُم من قبلُ تُخْفُون إيمانكم في قومِكم مِن المشركينَ، وأنتم مقيمون بينَ أظهرِهم، كما كان هذا الذي قتلتموه مقيمًا بينَ أظهرِ قومِه مِن المشركين، مستخفيًا بدينه منهم.
وإنما قلنا: هذا التأويلُ أَوْلَى بالصواب؛ لأن الله إنما عاتب الذين قتَلوه مِن أهلِ الإيمان بعدَ إلقائِه إليهم السَّلَمَ، ولم يُقَدْ به قاتلوه لِلَّبْسِ الذي كان دخَل في أمرِه على قاتليه بمُقامِه بين أظهرِ قومِه مِن المشركين، وظنِّهم أنه ألقى السَّلَمَ إلى المؤمنين تعوُّذًا منهم، ولم يُعاتِبْهم على قتلِهم إيَّاه مشركًا، فيقالُ: كما كان كافرًا كنتُم كفَّارًا، بل لا وجه لذلك؛ لأن الله جل ثناؤُه لم يُعاتِبْ أحدًا مِن خلقِه على قتلِ محاربٍ للهِ ولرسولِه مِن أهلِ الشركِ بعدَ إذنِه له بقتلِه.
واختلف أيضًا أهل التأويلِ في تأويلِ قولِه: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك: فمَنَّ اللهُ عليكم بإظهارِ دينِه، وإعزازِ أهلِه، حتى أظهروا الإسلامَ بعدَ ما كانوا يَكْتُمونه مِن أهلِ الشركِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن حبيبِ بن أبي عَمْرَةَ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾: فأظْهَر الإسلامَ (١).
وقال آخَرون: معنى ذلك: فمنَّ اللهُ عليكم، أيها القاتلون الذي ألقى إليكم
(١) أخرجه ابن أبي شيبة ١٠/ ١٢٤، ١٢٥، وابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ١٠٤٢ (٥٨٣٨) من طريق وكيع به.